بيروت - المغرب اليوم
اختار الكاتب نجم عبد الكريم في «أدباء من العالم: غرائب مأساوية، سير وحكايات»، أن يقف عند تجارب استثنائية من مسيرات أُناس استثنائيين، في محاولة لكشف سرّ انطلاقة كلّ منهم نحو الخلود في التاريخ الإبداعي: تشارلز ديكنز، ليو تولستوي، إدغار ألن بو، فلوبير، لامارتين، غوته، المعتمد بن عباد، آرثر ميللر، المازني، همنغواي، بوشكين، دوستويفسكي، فيكتور هوغو... لكنّ الوقوف على أحداث استثنائية من تجارب أدباء استثنائيين، لا يُعدّ تأريخاً لحياتهم، بل هو محاولة لاستكشاف الأسرار التي تكمن وراء انطلاقتهم نحو المجد ومن ثمّ الخلود الأدبي. وهذه الفكرة هي التي حاول نجم عبد الكريم أن يوضحها في مقدمته التي قال فيها: «لا نظنّ أنّ هذه اللمحات التي تمّ اختيارها عن تجاربهم المثيرة كافية للإحاطة بجوانب كثيرة من تاريخهم الحافل بالمعطيات الإبداعية، ولكنها كفيلة بأن تضع بين أيدينا المفتاح الذي نلج من خلاله إلى سبر أغوار تلك اللمعات المضيئة في الثراء الإبداعي الذي ميزهم». يوضح عبد الكريم أنه لم يسع إلى دراسة تحليلية لمنجزات الأدباء، بل إلى رصد مواقف محددة في حياتهم. ولعل هذا ما يتميز به الكتاب. وقد يُدهش القارئ عندما يقف على ما لا يُصدقه عقل في تصرفات هؤلاء العظماء وتباين مسالكهم الغريبة أحياناً، والمأساوية أحياناً أخرى، ومعظمها تتفاوت ما بين التمرّد والانفلات اللذين يصلان إلى حدّ العبثية والجنون. إلاّ أنّ تلك الدهشة سرعان ما تخفّ وطأتها عندما يقف على ما تضمنته معطياتهم التي غاصت في أعماق النفس البشرية، وتناولت خلجات الإنسان منذ ولادته، وإلى أن يُسدل عليه ستار الحياة. يختار نجم عبد الكريم عنواناً لكلّ كاتب يختصر من خلاله المحطة الأهمّ في حياته. عن دوستويفسكي يكتب مثلاً: «ثلاثة ملامح في حياة دوستويفسكي»، ويستهل دراسته عنه بالقول: «عقدة أوديب! لولاها لما عرفت كيف أكون قارئاً. كانت أمي تقرأ لي كل شيء يصف النفس البشرية الحقيقية، حتى وأنا مريض كانت تأخذني على صدرها وتقرأ لي من أشعار بوشكين وتبكي. ولا أحسب أحداً في هذه الدنيا أسعده الله بأمّ كأمي...». وحين ماتت ماريا فيدروفنا، كما يقول، كان حزن دوستويفسكي كبيراً على أمّ ظلّ يبحث عنها في كلّ النساء اللواتي التقاهنّ. وكانت المرأة تشكل عنده عقدة خوف، ومن العجيب أن تكون هذه عقدة دوستويفسكي، الذي اقتحم أعماق المرأة في أعماله بجرأة لا يحاربه فيها أحد»... ومن ثمّ ينتقل الكاتب بأسلوب سريع وشيّق من دوستويفسكي الابن إلى العاشق ليصوّر علاقته بالمرأة التي أحبها، بولين سوسلوفا. يتخّيّل حواراتهما ويكتبها لينقل تأثير هذه العلاقة على أدبه