الرباط - وكالات
صدر للكاتب مصطفى البعليش نص مسرحي بعنوان "أصابع الحلم" تستدعي عوالمه ذكرى الشاعر الراحل كريم حوماري. ويبدو هذا النص، الذي صدر في سبعين صفحة من القطع الصغير، عن منشورات جمعية الأصيل للثقافة والفنون بأصيلة، نشيد وفاء وأنين شعور طافح بالفقدان، تجاه ذلك الصديق الشاعر الذي وضع حدا لحياته على شرفة المحيط، ذات مساء من مارس 1997، في سن مبكرة لم تتجاوز الخامسة والعشرين. هي قصة بعث معنوية لروح كريم حوماري، تستنطق خصومته مع زمنه وتطلعه إلى خلاص بعيد في آفاق متعالية، من خلال استحضار إرثه الشعري الذي خلده ديوانه الوحيد الصادر بعد وفاته بعنوان "تقاسيم على آلة الجنون". يتوزع النص على ثلاثة فصول. يحمل الفصل الأول عنوان "الحكاية" ويضم أربعة مشاهد ويقع الفصل الثاني "محاكمة شاعر" في خمسة مشاهد بينما يحمل الفصل الثالث والأخير، ذو المشهد الوحيد، عنوانا بالغ الدلالة "الحكاية لا تنتهي". يضع مصطفى البعليش قصة العبور القصير لكريم حوماري في قالب فانتازيا لازمنية، إذ تصبح استئنافا لقصص ألف ليلة وليلة، في حكاية على لسان شقيقة شهرزاد، دنيا زاد التي تحل محل أختها بعد وفاتها، زوجة لشهريار، وتهديه حكايتها الوحيدة، حكاية "الشاعر"، الذي يبعث من قبره ليحاكم على ما اقترفه من "جريمة" اعترف هو نفسه بها حين قال "إنها ساعتي الأخيرة في المدينة هذا المساء. بعد قليل سأصعد إلى السماء وستحملني يد ريح خاصة وعدني بها رجل في حقيقة جنون، في حقيقة جنون سأصعد الى السماء محملا بخمسة عشر خنجرا في كيس أسود وسأرتدي بذلة سوداء، سوداء أكثر من ظلام الليل...". المحاكمة على لسان دنيا زاد "محاكمة لشاعر بعد انتحاره. إنها محاكمة جيل على لسان شاعر اختار الانتحار...والآن تبدأ الحكاية وأرجو ألا تقاطعني يا مولاي...". (ص 34). بهذا يجري مصطفى البعليش على صنيع عدد من المسرحيين العرب المعاصرين في استدعائهم للتراث السردي العربي وتطويعه ليصبح وعاء لمقاربة وقائع وقضايا راهنة، على غرار ألفريد فرج وسعد الله ونوس والطيب الصديقي وغيرهم. وفي هذا الإطار يقول الكاتب العراقي صلاح عبد اللطيف، في إضاءته للنص، إن الكاتب "ينتقي من ألف ليلة وليلة العلاقة الإشكالية بين شهرزاد وشهريار، ليفتت بعدها الزمني مضيفا لها الليلة الثانية بعد الألف، هي ليلة الشاعر حوماري". يقدم لكتاب "أصابع الحلم" الذي زينت غلافه لوحة لمحمد شان، شاهد حي على ذكرى حوماري، ووارث من ورثة سره، من أبناء حي مولاي ادريس بأصيلة، هو الكاتب عبد الصمد مرون الذي يرى أن البعليش يروم خلق حوار وتواصل بين الشاعر والأجيال المقبلة، و"ربما استطاع أن يكمل الحكاية التي بدأها حوماري في ديوانه، ومن خلال ذلك يقدم ملحمة صراع بين إرادة الحياة وبؤس الواقع، والتي هي في حقيقة الأمر معركتنا جميعا، لعلنا نستطيع ضمان حق الفراشة في التحليق".