باريس ـ أ.ف.ب
بعدما شكل موضع نقد لرواد الموجة الجديدة في مطبخ السبعينات، يعود التخمير بقوة الى عالم الطعام اذ بات مصدر الهام لطهاة وخبراء متخصصين في فن الطبخ الراقي يجمعهم السعي الى توسيع مروحة المذاقات المتاحة امامهم.
وتقوم هذه الطريقة التقليدية على تحضير انواع مختلفة من الاطعمة من خلال تحويل مكوناتها بالاعتماد على الجسيمات الدقيقة.
ويطال التخمير منتجات عدة مستخدمة في الحياة اليومية بعضها يرتدي رمزية كبيرة في المطبخ الفرنسي كالخبز والجبن والزبدة واللحوم المقددة.
غير أن طهاة كثيرين آثروا الابتعاد عن التخمير في تحضير اطباقهم بسبب المخاوف المتنامية من الجراثيم خصوصا بنتيجة البحوث التي اجراها العالم الفرنسي الشهير لويس باستور فضلا عن تأثير حركة "المطبخ الجديد" في سبعينات القرن الماضي والتي تركز على اهمية الاعتماد على المذاقات الطبيعية للمنتجات من دون اي تحويل.
غير أن الطاهي الفرنسي المخضرم يانيك الينو يؤكد أن التخمير يسمح بالاستفادة من "كل التنوع في الارض".
هذا الطاهي المعروف بعمله البارز في مجال تطوير الصلصات بفضل مسار يقوم على الطهو بحرارة تقل عن 85 درجة مئوية من ثم زيادة الكثافة عبر التبريد، قرر جمع هذه التقنية مع التخمير.
ويوضح الينو الذي حصل على 3 نجوم من دليل ميشلان لوكالة فرانس برس أن "التخمير يساعدني على البحث عن المذاق الذي لم تتح لي يوما فرصة الحصول عليه".
ويلفت الطاهي الى انه بفضل هذه التقنيات "ادركنا أن مذاق نبتة الكرفس يختلف تبعا للمنطقة التي تنبت فيها أكانت النورماندي او باريس او الجنوب الفرنسي"، مضيفا "ما نبحث عنه هو اطالة المدة التي يصمد فيها الطعم داخل الفم. لقد فتحنا عالما من المذاقات، وهي تتيح الافادة من مروحة مذهلة" من الخيارات.
ومنذ بضعة اشهر، يقدم يانيك الينو اطباقا في مطعمه الفاخر الواقع في جادة الشانزيليزيه الباريسية قام باعدادها بنتيجة هذه البحوث التي اجراها.
من بين هذه الاطعمة المتنوعة، فطيرة مصنوعة من عجينة رقيقة الطبقات محضرة مع شرائح صغيرة من الكرفس النيء المخمر والافوكادو "المتروك مدة 18 شهرا على الشجرة"، تضاف اليها صلصة من نبات اللفت المخمر والفطر المخمر والصويا.
- تشكيلة جراثيم -
وفي آسيا حيث يحتل التخمير حيزا كبيرا في مجال الطبخ، يقدم الطاهي التايواني اندريه تشيانغ تشكيلة كبيرة من الاطباق في مطعمه في سنغافورة الذي حصل اخيرا على نجمتين من دليل ميشلان الشهير للمطاعم.
وهو يركز في اطباقه على الجمع بين المكونات والعصائر المخمرة التي تستخدم فيها حبوب واغذية مختلفة كالشعير والذرة والارز والشوفان للحصول على مذاقات جديدة.
حتى ان خبراء في الكيمياء وعلوم الحياة يذهبون ابعد من ذلك ويستخدمون احدث المعارف في مجال الجراثيم من اجل "فتح افاق جديدة على صعيد المذاقات والطعمات".
ويوضح كميل دولوبيك الحائز شهادة دكتوراه في علوم الاحياء المجهرية وعراب شركة ناشئة متخصصة في تخمير البن لوكالة فرانس برس أن "ما تغير خلال السنوات الاخيرة هو اننا انتقلنا من عمليات التخمير الطبيعية والعفوية الى تخمير يمكن التحكم به".
ويشير هذا الخبير الى "اننا نختار بعض الجراثيم الطبيعية بناء على قدرتها على التهام جزيئات تؤثر سلبا على مذاق البن لنقوم بعدها بتكوين جراثيم اخرى".
ويشتمل مختبر شركته الموجود في نيويورك على مجموعة من 700 جرثومة مختارة بعناية يتولى الاهتمام بها "كقائد الاوركسترا".
وفي مقالة نشرتها حديثا مجلة "نيتشر مايكروبيولوجي" العلمية البريطانية، تشبه الكيميائية المتخصصة في المذاقات ارييل جونسون التخمير ب"اداة جديدة ترتدي اهمية كبيرة تضاهي تلك العائدة للسكين في التقشير وللمقلاة في القلي".