العيون - هشام المدراوي
استطاعت الإعلاميَّة ليلى ماء العينين أن تحقق إنجازات وخطوات جبارة في طريق الإعلام المسموع، خلال مشوارها المهنيّ الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود ونصف، مقدمة بذلك أبدع صور العمل الإذاعيّ الملتزم والهادف.
وكانت بداياتها مع إذاعة العيون الجهوية في يناير من عام 1975، وما زالت فيها إلى يومنا هذا، وتنوعت برامجها وتعددت، لكنها ظلت تستهدف في عموم برامجها توعية المستمع والمشاهد لزيادة علمه، وتقديم ما يفيده بعيدًا عن الإسفاف، أو الإثارة الرخيصة، التي ظلت رافضة لها، لا لشيء سوى أنها تؤمن بأن الإعلام ليس تجارة ولن يكون كذلك، بل إنه يحمل رسالة أسمى وأنبل، تتجاوز أي هامش من الربح بغض النظر عن قدره أو قيمته المادية.
وتعد "ليلي ماء العينين" أقدم صوت إذاعيّ نسائيّ ظهر فوق تراب الصحراء المغربية. حيث التحقت في صفوف إذاعة العيون الجهوية إبان فترة الاستعمار الإسباني للمنطقة، حيث كان عمرها آنئذ لا يتجاوز 17 عامًا،
وقد قدمت "ليلى" بإيعاز من بعض الأقارب ملفها إلى الإدارة المركزية آملة الالتحاق في صفوف الإذاعة، بعد أن شهدت هذه الأخيرة نقصًا حادًّا على مستوى المذيعات لاسيما الناطقات باللغة العربية الفصيحة ورغبتها الأكيدة في إدماج صحافيات محليات، حيث رأت اللجنة التي أشرفت على عملية انتقاء المترشحات، أنها تتميز بمؤهلات وخصال عديدة من قبيل: قوة الصوت، وسلامة اللغة، وقوة الشخصية، وهي عوامل لم تكتسبها بمحض الصدفة، بل جاءت نتيجة جهد طويل، ومثابرة كبيرة خصوصًا أن والدها الذي جمعتها به علاقة من نوع خاص كان أستاذًا متخصصًا في اللغة العربية، وعمل كل ما في وسعه لتلقين أبنائه أصول وقواعد اللغة.
وقامت "ليلى" وزملاؤها في الإذاعة بالتصدي للمؤامرات التي حاكتها جهات إقليمية من أجل فصل المغرب عن صحرائه من خلال إطلاق ما سمي بـ"البوليساريو".
ورغم التزامات "ليلى ماء العينين" المهنية، إلا أن ذلك لم يمنعها من مواصلة مسارها الدراسي حيث حازت على شهادة البكالوريا كمرشحة حرة، لتواصل دراستها الجامعية في كلية الشريعة بـ"أيت ملول" التابعة إداريًّا لعمالة "إنزكان أيت ملول"، لكن عائق المسافة بين "العيون" و"أيت ملول" كان بمثابة حجر عثرة أوقف مسارها الدراسي في حدود السنة الثانية الجامعية، ومع هذا فقد واصلت سبر أغوار المعرفة في إطار التكوين الدائم والمستمر.
وتجلت أول تجربة إنتاجية تخوضها "ليلى"، في برنامج متنوع اسمه "صباح الخير"، مقسم إلى جزأين. كل جزء يبث على مدار 45 دقيقة، وقامت بعد ذلك بإنتاج مجموعة من البرامج الناجحة الأخرى، من قبيل: "البيت السعيد" و"تاريخ وتاريخ أشخاص" و"شخصيات إسلامية" و"قال مالك" و"مسابقات رمضان" و"رسائل مفتوحة" الذي حاز سنة 1996 على ثلاثة جوائز مهمة، هي على التوالي: جائزة أحسن منتج، وأحسن مذيع، وأحسن برنامج، ضمن الاستفتاء الذي أجرته الإذاعة المركزية، وحصل أيضًا على جائزة محلية بفضل جمعية أنشأت خصيصًا لهذا البرنامج، ألا وهي جمعية "أصدقاء برنامج رسائل مفتوحة" التي تم تسميتها في نهاية المطاف بجمعية "أصدقاء إذاعة العيون"، والتي اشتغلت على مدار عشر سنوات كاملة، وخلفت صدى طيبًا.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى مجال تحرير الأخبار إثر حصولها على منصب رئيس التحرير في الإذاعة، ورغم ثقل المسؤولية المهنية الملقاة على عاتقها، فإن ذلك لم يؤثر على مستوى التزاماتها الأخرى، خصوصا أن الله من عليها بالذرية الصالحة: أربعة أولاد وفتاة واحدة، أشرفت على تربيتهم وتلقينهم كثيرًا من الأمور المعرفية، وبدا ذلك واضحًا من خلال مسارهم التعليمي المشرف.
ولا تخفي "ليلى" شغف أحد أبنائها بعملها، فهو يعمل حاليًّا في الإذاعة كمتعاون في قسم الأخبار، ويقرّ بـأن حبه للعمل الإذاعي نبع من حبه لوالدته التي كانت بالنسبة إليه المثل الصالح والقدوة الحسنة في الميدان.
واستطاعت ليلى ماء العينين، بفضل كثير من المؤهلات والمقومات، التي تتوفر عليها، أن ترسم لنفسها مسارًا إعلاميًّا مشرِّفًا للغاية. سيبقى محفوظًا لها في تاريخ الإعلام الجهوي الهادف الذي يقوم على القرب، والانفتاح على المحيط، وهو ما امتازت به أغلب البرامج الإذاعية التي أشرفت على إنتاجها أو على تقديمها.