الدار البيضاء - سعيد بونوار
ينظر الكثيرون إلى المجتمع الفرنسي المؤمن بالحرية والعدالة والمساواة بأنه مجتمع راقٍ، ُرقي ورقة وأناقة انعكست على مائدته، لذلك ما إن تفتح مدارس الطبخ العالمية أبوابها في وجوه الراغبين للدخول في تعقيدات هذا العالم، حتى يكون الدرس الأساسي، كيف تكون طباخًا فرنسيًا؟ يتمتع ميلاد الطبخ الفرنسي بغرابة كبيرة، ففي الوقت الذي تتقاذفه خصلات الإشادة بالرقي، نجد أن هذا المطبخ في كثير من وجباته ولد من رحم الثورة الفرنسية، حيث قال هوجو "إن الثورة بذرة المدنية". تدرس مدارس الطبخ فنون المطبخ الفرنسي، وتتسابق الفنادق والمطاعم من أجل أن يكون
هذا المطبخ ضمن أولويات الوجبات التي تقدمها لمرتاديها، بل وتُقاس فخامة فندق ما بدرجة اهتمامه بالوجبات الفرنسية الشهيرة، وأحيانًا يُقاس رُقي الزبون بطلبه وجبة فرنسية.
لماذا كل هذا التقدير للمطبخ الفرنسي؟. الجواب قد يكون عند منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة المعروفة اختصارًا بـ"اليونسكو"، فالمنظمة المذكورة أبت إلا أن تجعل هذه المطبخ على رأس موروثها الحضاري والثقافي الواجب العناية به وحمايته وضمان السبل لإشعاعه، والدافع أن معظم وجبات المطبخ الفرنسي تُحضر بحميمية وعناية.
وضَمِن المطبخ الفرنسي إشعاعه العالمي، فور فتح مدرسة "كوردون بلو" أبوابها للراغبين في الدفاع عن استمرارية الأطباق الفرنسية، وكان ذلك عام 1875، ومن ذلك العام والطباخون الفرنسيون يشقون طريق الشهرة العالمية بفضل تطوير أطباقهم ونقلها مما هو محلي إلى ما هو دولي، وتكفي الإشارة هنا إلى أسم أوجست أسكوفير الذي يعد الأب الروحي للمطبخ الفرنسي.
وولد المطبخ الفرنسي في رحم "القصر الملكي"، حيث سارع الملك هنري الرابع في القرن السابع عشر إلى تعيين طباخ وزيرًا، ويدعى فرانسواز بيير دي لافارين، وكان هنري الرابع يساهم في تمويل الموائد كجزء من سياسته.
ويتفنن الفرنسيون في الحلويات وتشكيلاتها المختلفة، ومرد ذلك يرجع أن الفرنسيين كانوا أول من اكتشف السكر وتلذذ بالشكولاتة.
بينما اكتسبت الأطعمة الفرنسية سمعتها من الاعتماد على الابتكار وليس التصنيع من خلال طهاتها، الذين كانوا يتفننون في ابتكار أكلات مازال صيتها مدويًا، وتقوم فلسفة هذا المطبخ على متعة الإشباع دون إحداث الضرر.
وإذا أردنا أن نلخص برنامج التغذية الفرنسي، فستكون كالتالي: يبدأ اليوم العادي بإفطار خفيف مؤلّف من الخبز مع المربى أو الزبدة، وغالباً ما يُستبدل اليوم برقائق الحبوب، مشروب ساخن مثل القهوة، الشاي أو الشوكولاتة بالحليب، الفاكهة أو عصير الفاكهة. أما الغذاء فيبدأ بين 12 و 2 بعد الظهر، ويُقدّم العشاء حوالي السابعة مساءً، إلا أن تغيّرات عديدة تحصل وفقاً للحضارات في مختلف المناطق المحلية.أما الوجبة العادية الكاملة فمؤلفة من مقبلات السلطة، ويتألف الطبق الأساسي عادة من اللحم أو السمك مع الخضار، المعكرونة، الرز أو البطاطا المقلية. أما الحلويات بشكل عام فمؤلفة من اللبن، الفواكه أو قطعة كيك، وبشكل عام، يلي وجبة الغذاء خاصة فنجان صغير من القهوة.
ويجد تبيان هذا البرنامج يجد في كون كثير من المجتمعات حتى العربية منها باتت تستنسخ عادات الفرنسيين في الأكل.