المظلوميّة يا سيد حسن

المظلوميّة... يا سيد حسن!

المغرب اليوم -

المظلوميّة يا سيد حسن

علي الرز

في اتجاهات التصعيد، يلجأ السيد حسن نصر الله الى "المظلوميّة" سلاحاً للحشد والتعبئة. تمرّ هذه الكلمة في خطاباته مرور المقيم المتربّع لا مرور العابر الموقّت. صارت جزءاً من معركته في كل مكان و"ريموت كونترول" يحدّد القناة التي يريد لشباب "حزب الله" ان يسبحوا فيها او يغرقوا ... لا فرق.

... و"المظلوميّة" في أيّ مكان في الدنيا كان لها وقع السحر الوجداني قبل ان تبتذلها أدبيات الحزب وتعرّيها من اي مضمون فعلي. حتى وصل الأمر بالسيد نصر الله الى اعتبار أحد الذين قُتلوا برصاص السفارة الايرانية في بيروت خلال احتجاج على تَدخُّل "حزب الله" في سورية أنه "شهيد مظلوم". بمعنى آخر، فان مَن مات من "شيعة الحزب" وهو يقاتل أهله في سورية دفاعاً عن بشار هو شهيد مظلوم ... ومَن يموت من "شيعة اللاحزب" برصاص مَن يدافع عن بشار هو ايضاً شهيد مظلوم.
كما في التجارب العالمية المثيرة للشجون، يغوص السيد حسن في التاريخ مازجاً بين الصدى المحرّك للحزن والتعاطف من جهة، وبين ما ينتقيه من أحداث يوجّهها بحسب اتجاه الرياح السياسية من جهة ثانية. فاذا كان التوافق مطلوباً مثلاً لاستقطاب او تحييد فئة سياسية بلبوس طائفي او ديني حتى لو لم يكن مسلماً، يستحضر عوامل الالتقاء من قصص الماضي ويرفع "الوحدة" الى مصاف الاولوية منتقياً كلاماً عابراً كغطاء شرعي لهذا التوافق، بل يصف الطرف الآخر المتحالف معه بأنه عاش مظلومية تاريخية وان المظلوم ينتصر للمظلوم في العقيدة والسلوك. واذا كان الصِدام مطلوباً يستحضر عوامل الفراق من قصص الماضي ويرفع "الثأر" الى مصاف الاولوية منتقياً كلاماً عابراً كغطاء شرعي لهذا التصادم بل يصف الطرف الآخر المتصادم معه، مسلماً كان ام غير مسلم، بأنه "حفيد الظالم" وان المظلوم... هيهات منه الذلة.

والتاريخ الاسلامي حقيقة "جسمه لبيس" رغم الاجتماع العام على بعض محطاته، اذ يمكن لأيّ أزمة فيه، وخصوصاً في آخر مراحل الخلفاء الراشدين وما بعدها، ان تُقرأ من زوايا مختلفة تماماً استناداً الى تَعدُّد الرواة وطريقة عرضهم وأهواء المدوّنين. فبعض الناقلين كان طرفاً في الأزمة، وبعضهم انحاز لطرف، وكثيرون اعتمدوا السمَع والتواتر، ولذلك ليس صعباً ايجاد "وقائع معلّبة جاهزة" واخرى "تحت الطلب" وثالثة "تحضير سريع" لتغذية عقول المغسولة عقولهم بـ "المظلومية" المناسِبة للمعركة المناسِبة... وهذا الانتقاء يجعل مثلاً الانتصار لـ "مظلومية السيدة زينب" عنواناً لمضمونٍ اسمه الانتصار لبشار الأسد، وهذا الانتقاء نفسه هو الذي يجعل الحزب إن خُيّر بين الدفاع عن مقام او بقاء بشار في السلطة يختار بقاء بشار، لان الحليف الهادم للمدن على رؤوس مَن فيها "يعيد بناء المقامات إن تهدّمت او تصدعت".


في بعض أدبيات التعبئة المذهبية، يستحضر أصحابها مواقف رموز وشخصيات من آل البيت وأنصارهم من مجتهدين ومفكرين جنحوا دائماً الى فتح صفحات جديدة تدعم استقرار الدولة والمجتمع لان المستقبل هاجسهم وليس الماضي، ويعتبر اصحاب التعبئة هذا الجنوح نوعاً من "مظلومية" فرضتها ظروف الحكم وإرهاب الحاكم وصارت خياراً شبه مسلّم به مع الزمن على قاعدة "ان المؤمن مبتلى والجنة على قدر المشقة"، ويرون ان الأوان آن للثورة على هذا الشعور ذاتياً ثم الثورة على الغير ثأراً لزمن الظلم او تكريس واقع جديد يجمع "المظلومين" على أهداف واحدة تستلهم التاريخ شكلاً والسياسة جوهراً... والجوهر هنا اسمه المشروع الايراني تحديداً.

في هذا الاطار، يصبح الحوثي "مظلوماً" ولا بأس من ان نظلم بلداً كاملاً اسمه لبنان من اجل الانتصار له، ويصبح بشار مظلوماً ولا بأس من ان نحرق بلداً كاملاً من اجل الانتصار لمجازره. بل في فترة من الفترات تصبح "القاعدة" في العراق مظلومة ولا بأس من دعمها من اجل الانتصار لتدمير المشروع الاميركي، ثم تنقلب القاعدة فتصبح ظالمة مع الوليد الجديد "داعش" ولا بد من التصدي لها نصرةً للمظلومين ... وربما اشتعلت الخلافات مستقبلاً بين ايران وباكستان وحصلت تفجيرات متبادلة لمساجد وشاهدنا تعبئة جديدة من لبنان نصرةً لـ "المظلومين" في باكستان.
الانتصار للمظلومية يا سيد حسن مرتبط بنصرة الحقّ كما هو لا كما تريده ايران، ومرهون بالعدل والتسامح والرقي والاستقرار والحكمة ومصلحة الأمة ووحدة المجتمع والانفتاح الانساني.

والمظلومية يا سيد حسن لا تعني اختصار العالم الى فسطاطين كما فعل أسامة بن لادن، وان يعتبر طرف انه  "الوكيل" المكلف إصلاح التاريخ وتغيير الحاضر وبناء المستقبل كما يريد.

والمظلومية يا سيد حسن لا تعني ان نأخذ شاباً صغيراً من حضن أمه ومن مقاعد دراسته ومن بساتين قريته الى القتال نصرةً لبشار في القصير والقلمون وريف دمشق ... ثم نعيده الى أمه بكفن وعلم وعبارة "الشهيد المظلوم" على شاهد قبره.
... ربما كانت شواهد قبور قرانا شاهداً رئيسياً في محكمة التاريخ على الفصل بين الظالم والمظلوم

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المظلوميّة يا سيد حسن المظلوميّة يا سيد حسن



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya