أمَل إبليس

أمَل إبليس ...

المغرب اليوم -

أمَل إبليس

بقلم ـ علي الرز

اجتمعتْ إدارة ترامب. فكّرتْ. خطّطتْ وهتفتْ بصوت عالٍ: وجدتُها وجدتُها، وقررتْ أن أَفْضل حلٍّ للموضوع السوري حالياً هو تخفيف الضغط على بشار الأسد والابتعاد عن شعار إبعاده مقابل قطْع حبل السرّة بينه وبين النظام الإيراني. أي أن يبقى الأسد وتَخْرج إيران وميليشياتها من سورية كونه لم ولا يشكل أيّ تهديدٍ لإسرائيل بعكس الوضع الحالي القريب من حدودها.

الفكرة "العبقرية" التي خرجتْ بها إدارة ترامب سبقتْها بسنواتٍ فكرةٌ مماثلة تماماً. فعقب اغتيال منظومة الممانعة للرئيس رفيق الحريري، كان نظام الأسد في أسوأ أيامه، والحصار القانوني الدولي يشتدّ عليه، كون الجريمة مكشوفة وواضحة مهما حاول التضليل بأساليب كاريكاتورية وسخيفة، الى أن شهدتْ الأيام كيف تمّتْ تصفية غالبية المتورّطين في الاغتيال واحداً تلو الآخر، سواء كانوا سوريين او لبنانيين ... بأيادي قادَتِهم.

يومها، أقنع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي البيت الأبيض بأن الأسد ورث من والده علاقة مقدّسة مع إيران، وان الحلّ لكل مشكلات المنطقة هو بفكّ ارتباط الأسد بهذه العلاقة، وأن الرئيس السوري أبدى لوسطاء رغبةً في ذلك، على أن يساعد أيضاً في حصول تغييرٍ في العراق يمكّنه من مواجهة النفوذ الإيراني تدريجياً. صدّق الجميع ذلك بمَن فيهم مسؤولون عرب، وبدأتْ التسويات المشوّهة تتركّب والضغوط تتراجع في ملف استشهاد الحريري، وكان المحكّ الأوّل هو الانتخابات العراقية حيث تمّ تزويد الدكتور اياد علاوي بكل الدعم الذي يحتاجه محقّقاً فوزاً كبيراً.

وبما ان التقية السياسية والخباثة ونكران العهود من سِمات نظام الممانعة، تمّ اللعب على ورقة الوقت بغية استدراج المزيد من المكاسب والرهان على تغييراتٍ سياسية دولية. فتارةً يسرّب أحد أعمدة نظام القهر السوري محمد ناصيف (توفي) ان سورية تؤيّد تشكيل علاوي للحكومة العراقية، وطوراً يفتح نوري المالكي النار على بشار الأسد ويؤكّد انه درّب إرهابيين فجّروا في العراق ... وهكذا استمرّ تَبادُل الأدوار مقابل انفتاحٍ وصل حدّ زيارة سعد الحريري لدمشق والمبيت فيها، وزيارة خادم الحرمين الشريفين لبيروت برفقة بشار الأسد في طائرة واحدة.

وبعد ذلك، حصل ما هو متوقَّع. نوري المالكي يشكّل حكومة أكثر تَطرُّفاً وطائفيةً وارتباطاً بإيران في العراق. سعد الحريري يقصى من رئاسة الوزراء. "حزب الله" يثبّت سلطته على كل لبنان. وسورية تُطْلِق إشارة ملاحقة مسؤولين لبنانيين جميعهم من 14 آذار وتَأْمُر حلفاءها بتكثيفِ الهجوم السياسي على بعض دول الخليج ... وصولاً الى الوضع الحالي لنظام الممانعة بعد الثورة السورية حيث تباهى علي لاريجاني (قبل وصول إيران الى اليمن) بأن بلاده تسيطر على محورٍ يمتدّ من حدود الصين الى شاطىء غزة.

أيُّ فكٍّ لأيّ ارتباط؟ عندما سقط صدام حسين، كانت استراتيجية إنهاك الوجود الأميركي في العراق هي التي حمتْ نظام الأسد بعد تهديدات كولن باول الواضحة. اتّفقتْ ايران  وسورية على إنشاء معسكراتِ تدريبٍ لـ "جهاديين" يخرجون من سجونهما ويُرسَلون الى العراق فيُشْغِلون العالم بتلك البقعة. وعندما اغتيل الحريري، لم يجد الأسد سوى إيران تقف معه وجماعتها في لبنان يحتلّون الشوارع بشعار "شكراً سورية"، فيما فاروق الشرع (المغيّب حالياً) يقول باعتدادٍ إن سورية صارتْ أقوى في لبنان بعد خروج جيشها نظراً لتَحكُّم حزب الله بالسلطة. وعندما بدأتْ الثورة السورية، لم يصمد النظام أمام سلميّتها لأكثر من عامٍ دخلتْ بعدها كتائب إيران ممثَّلة بحزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق وميليشيات أفغانية وباكستانية، ولولاها لكان الأسد منذ سنوات لاجئاً في موسكو أو طهران.

ومثلما كان "المجاهدون" بعد سقوط صدام حسين نبْت الممانعة الشيطاني لإشغال العالم في العراق، كانت التنظيمات المتطرّفة التي خرجتْ من رحم سجون إيران والمالكي والأسد والحوثيين نبْت الممانعة لضرب الثورة السورية وإشغال العالم بقضيةٍ أخرى وتعويم الدور الإيراني وتَمدُّده في المنطقة ... وللإنصاف والموضوعية، يقتضي الاعتراف بأن العالم خضَع لهذا الابتزاز، وها هو اليوم يجترح أفكاراً "عبقرية" مثل فكّ ارتباط الأسد بإيران.

لو سَمِعَتْ إدارة أوباما صوت السوريين في بداية ثورتهم السلمية، لما وصلتْ إيران وأسدها و"مجاهدوها" الشيعة والسنّة الى ما وصلوا إليه. أما الرهان على تقوية الأسد لتمكينه من فكّ ارتباطه بإيران، فهو على سذاجته، يشي بإدخال المنطقة في مغامراتٍ جديدة كون إدارة ترامب لا تدرك ان ما بقي من نظامٍ في سورية ليس أقوى من أيّ كتيبةٍ من كتائب إيران، ولا تدرك حتى أن مسؤولين إيرانيين ومن حزب الله يملكون حق إعطاء أوامر للطيران السوري بالإغارة هنا او هناك.

إذا كان شعار "الشيطان الأكبر" علامة إيران التجارية والتسويقية في المنطقة، فإن الرهان على فكّ الأسد ارتباطه بها هو "أمل ابليس في الجنّة"... مكِّنوا السوريين من تغيير نظامهم وبناء حكم مؤسساتي ديموقراطي، فهم وحدهم مَن يعيد الارتباط بين الدولة والسيادة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمَل إبليس أمَل إبليس



GMT 15:34 2020 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

هل سيُسلِّم «ترامب» السلطة؟

GMT 12:12 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

الصدمة السودانية؛ مقدماتها وتوابعها؟

GMT 13:18 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

أوان الشـدّ ؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya