عريب الرنتاوي
على وقع التفجيرات الإرهابية في باريس وبروكسيل، تتغير مواقف العواصم الغربية وتتبدل أولوياتها ... فيديريكاموغريني تلتقي على نجو مفاجئ و»نادر» برئيس الوفد السوري إلى مفاوضات جنيف بشار الجعفري، وتمهد للقائها به، بمواقف تستقدم «أولوية محاربة الإرهاب» وتستأخر الحسم في مستقبل الأسد، تستعجل الحل السياسي لسوريا كتوطئة لتخليصها من «داعش» باعتبار ذلك شرطاً لتبديد التهديد لأمن أوروبا واستقرارها. من بعيد، تلتقط موسكو إرهاصات التحول في السياسات والأولويات الأوروبية، وتدعو قادة دول الاتحاد للتوجه جدياً لمحاربة الإرهاب والتوقف عن ممارسة «الألعاب الجيوستراتيجية»، استناداً لقراءة روسية تتهم الغرب بالتورط في «توظيف» الإرهاب لتحقيق أهداف سياسة في سوريا والعراق، ودائماً في مواجهة الدور الروسي الصاعد على الساحة الدولية. ميدانياً، تتقدم قوات الجيش السوري، مدعومة بغطاء كثيف مما تبقى من السلاح الجوي – الفضائي الروسي، على عدة جبهات، حيث وصلت طلائع هذه القوات إلى غرب مدينة تدمر، عاصمة البادية السورية الكبرى ... وبصورة تَظهر معها موسكو ودمشق، بوصفهما «رأس الحربة» في الحرب الكونية على الإرهاب. أما على الجبهة الجنوبية، فتتواتر الأنباء عن تمدد «داعش» على مقربة من الحدود الأردنية – السورية، ليس بطريقة «الغزوات المباغتة» التي اعتاد التنظيم شنّها، بل كنتيجة للتحولات التي طرأت على مواقف الفصائل المسلحة، واختيار بعضها «مبايعة الخليفة البغدادي سراً وعلانية»، فضلاً عن تآكل الرهان، وربما للمرة الألف، على «المعارضة المعتدلة»، وانتقال مركز اهتمام «النصرة» إلى إدلب، المرشحة لاحتضان «إمارة أبو محمد الجولاني» ... «الستاتيكو» الذي تخوّف كثيرون من انهياره في الجنوب، جراء تقدم الجيش السوري صوب درعا،في طريقه للانهيار، على يد «داعش» هذه المرة، ومرة أخرى، يثبت أن الستاتيكو» ليس خياراً يمكن الرهان عليه، فتحت سطحه الراكد، جرت تفاعلات كثيرة، أنجبت المزيد من المؤيدين لـ «داعش»، ورفعت منسوب القلق من احتمال إعادة انتاج «سيناريو بنقردان» جنوباً. هذه التحولات، لا شك أنها حضرت في موسكو على مائدة البحث بين كيري ولافروف، وتحت سمع «القيصر» وبصره، ولا شك أنها ستدفع إلى تعميق وتوسيع التفاهمات الروسية – الأمريكية، و»حلحلة» ما تبقى من قضايا الخلاف بين الدولتين حول مستقبل سوريا ومصير رئيسها، وسط تقارير تتحدث عن ميل غربي متعاظم، للاقتراب من «الرواية الروسية» للحدث السوري، التي ترجح دفع ملف الرئيس والرئاسة لمرحلة لاحقة، إلى ما بعد الانتصار على الإرهاب، حفظاً للدولة السورية وصوناً لمؤسساتها الأمنية والعسكرية أساساً. الملف السوري، بفعل تطورات الميدان، والميدان هنا بات يشمل كامل مساحة القارة العجوز، مرشح لولوج عتبات مرحلة جديدة، من عناوينها: (1) أولوية الحرب على الإرهاب ... (2) الحل السياسي المحكوم بأهداف هذه الحرب والمُيسر لشروط الانتصار فيها ... (3) النظام في دمشق جزء من الحل بعد أن ظل حتى «واقعتي باريس وبروكسيل» جزءاً من المشكلة، إن لم نقل المشكلة ذاتها ... (4) تآكل هوامش المناورة أمام اللاعبين الإقليميين الغارقين في حروب الأدوار والزعامة والقيادة، المتدثرة بحروب المذاهب والطوائف والأقوام ... (5) استعجال الفرز ما بين غث المعارضات المسلحة وسمينها، فالمناطق الرماية ما بين «المعارضة» و»الإرهاب» باتت تتقلص مساحاتها باطّراد، ومن هو ليس ضد الإرهاب، فهو معه. تفتح هذه التطورات، المرشحة للتسارع في هذه الاتجاهات وعلى هذه المحاور، الباب رحباً لاحتمالات «تغير قواعد اللعبة» في سوريا ... سياسياً، قد تصبح جولة نيسان/ أبريل المقبلة من مفاوضات جنيف، الأكثر جدوى وجدية، منذ انطلاق مسار فيينا .... ميدانياً، قد يصبح استئصال «داعش» من سوريا مقدماً على مساعي استئصالها من العراق، بخلاف ما كان كانت عليه الأولويات الأمريكية طوال العامين الفائتين، من دون أن يقطع ذلك الطريق على فرضية السير بخطى متوازية ومتزامنة في الحرب على التنظيم الإرهابي الأكثر دموية، وفي كل من سوريا والعراق على حد سواء.