«انقلاب أبيض» في لبنان

«انقلاب أبيض» في لبنان

المغرب اليوم -

«انقلاب أبيض» في لبنان

عريب الرنتاوي

أحدث التحالف الناشئ بين الجنرال ميشيل عون و”الحكيم” سمير جعجع، انقلاباً في المشهد السياسي اللبناني، والأرجح أن تتوالى تداعياته ومفاعليه في قادمات الأيام، محدثةً تغييراً جوهرياً في خريطة التحالفات و”الاصطفافات” اللبنانية الداخلية، فبعد أزيد من ثلث قرن من العداوة المستحكمة، وحروب الإلغاء والإقصاء، عسكرياً وسياسياً، ها هما الخصمان اللدودان، يتبادلان النكات والمُزاح، على وقع توقيع اتفاق بينهما، يتنازل بموجبه “الحكيم” عن ترشيحه للرئاسة لصالح الجنرال، على أن يهتدي “فخامة الرئيس عون” في حال وصول رحلته إلى قصر بعبدا، إلى خواتيمها السارة، بوثيقة “إعلان النوايا” المبرمة بين الجانبين، والتي تدور بنودها حول “الدولة” و”السيادة” و”الاستقلال” . 
والحقيقة أن ما دفع القطبين المسيحيين، الأهم والأكثر نفوذاً، للتلاقي بعد طول عداء، هي حالة “التهميش” الممتدة للوجود المسيحي في لبنان، وتآكل مواقعهم داخل النظام السياسي اللبناني، فالفراغ الرئاسي يكاد يكمل سنته الثانية، فيما نواب الطائفة وممثلوها، يأتون إلى قبة البرلمان على أجنحة القطبين المسلمين: الشيعة مُمَثلين بحزب الله أساساً (في حالة الجنرال) والسنة مُمَثلين بتيار المستقبل أساساً (كما في حالة الحكيم). 
وإذ يتخوّف البعض من سيناريو “عودة الاستقطاب الطائفي” المسيحي/ الإسلامي، بعد بروز “ثنائية مسيحية” شبيهة بالثنائية الشيعية (أمل وحزب الله)، فإن القراءة الأعمق للمشهد اللبناني والإقليمي، تستبعد سيناريو كهذا، وترجح استمرار حالة “الاستقطاب المذهبي” السنّي / الشيعي، وهل حالة تمتد جذورها عميقاً في التربة اللبنانية، كما أنها تتغذى بـ “روافع” و”روافد” إقليمية، تجعل من المتعذر على “الاستقطاب الطائفي” أن يطفئ نار “الانقسام المذهبي” الأخطر والأعمق والأعرض. 
وإذا ما قُّدّر لهذا للتحالف العوني–القواتي، أن يتمأسس ويتعمق، فالأرجح أن ثنائية “8 و14آذار” التي حكمت المشهد السياسي اللبناني منذ العام 2005، ستواجه نهاياتها قريباً، وسنكون أمام خريطة جديدة للتحالفات، محكومة بحسابات الداخل بطوائفه ومذاهبه، وليست مضبوطة بالضرورة، بإيقاع الصراع السعودي – الإيراني، الذي يتخذ في ظاهره شكلاً مذهبياً، يخفي جوهرة المتعلق بالمصالح الاستراتيجية والصراع على زعامة الإقليمي، فضلاً عن الارتباطات الواضحة لهذا الصراع، بمعادلات الحكم وموازين القوى وصراع الرؤوس والأجنحة في كلا البلدين الوازنين. 
لقد نجح ميشيل عون في تذليل واحدة من أهم العقبات التي تعترض طريقه إلى القصر الجمهوري، بيد أن حلم الجنرال بملء الشاغر الرئاسي، ما زالت دونه عقبات وعراقيل عديدة، وهو ما زال بحاجة لمزيد من الأصوات و”التوافقات” لكي يضمن الأغلبية المطلوبة لتحقيق الحلم الذي طال انتظاره، ذلك أن كثرة كاثرة من حلفائه في إطار تحالف 8 آذار، يعارضون رئاسته، وقد أبدو علناً ترحيبهم بترشيح سعد الحريري للنائب والوزير السابق سليمان فرنجية، وهنا لا ندري كيف سيتصرف حزب الله، الذي بات “محشوراً” بين حلفاء متخاصمين، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، وتحديداً ما خص موقف حركة أمل بزعامة نبيه بري وموقف المرشح “المجهض” سليمان فرنجية؟! 
الكنيسة المارونية، التي تريد رئيساً أياً كان وبأي ثمن، منحت اتفاق عون – جعجع تبريكاتها، مثلما فعلت حين أقدم الحريري على خطوة مفاجئة أيضاً بترشيح فرنجية للرئاسة، وهو المقرب جداً من عائلة الأسد، والوحيد من بين اللبنانيين جميعاً الذي قاسم باسل وبشار الأسد، سريريهما في الصغر ... لكن موقف الكنيسة المبارك لترشيح عون، لا يعني أن مشوار التوافق المسيحي قد استُكمل، فثمة “آخرون” في هذا الوسط، ما زلت لهم حساباتهم وطموحاتهم الرئاسية، لعل أبرزهم الرئيس الأسبق أمين الجميل، وعدد لا يحصى من مسيحيي 14 آذار، وفي لبنان، كل ماروني “مشروع رئيس” ما لم يثبت العكس، تماماً مثلما هو الحال في الأردن، مع “معالي الشعب الأردني”.
وثمة أيضاَ من سيقف بالمرصاد ضد هذا الاتفاق، وليد جنبلاط الذي سبق له وأن وصف الجنرال بـ “التسونامي” سيكون قلقاً من “تجميع القطب المسيحي حول مشروع واحد”، والحريري الذي تعامل بـ “فوقية” مع أهم حليف مسيحي له، سيرى في “الصفقة”، صفعة شديدة لمشروعه وتطلعاته، فضلاً عن كونها لا تحظى بمباركة السعودية التي يحمل جنسيتها، ويحتفظ بعلاقة “عضوية” مع عائلتها الحاكمة. 
أياً يكن من أمر، فإن إقدام زعيم القوات اللبنانية على هذه الخطوة الكبرى، يسجل لصالحه وفي رصيده ... فالرجل قاوم ضغوطاً هائلة تعرض لها من قبل حلفائه المحليين (الحريري و14 آذار)، والأهم أنه برهن على “استقلالية” واسعة، عندما رفض الإصغاء لنصائح الرياض أو تحذيراتها التي أُبلغ بها مبكراً، ومنذ أن بدأ التلميح لخيار ترشيح عون بدلاً عن فرنجية للرئاسة ... لقد خرق جعجع خطاً سعودياً أحمرا، مع أن الرجل يحتفظ بعلاقات وطيدة معها، ويُقال إنها “تغطي” جزءاً مرموقاً من موازنة القوات. 
ويأخذنا ذلك للحديث عن القوات اللبنانية، التي لم يَعلَق في أذهان غير اللبنانيين عنها، سوى صور التعاون مع الإسرائيليين، ومذابح صبرا وشاتيلا وبعض فصول الحرب الأهلية اللبنانية قبل أزيد من ثلاثة عقود ... ربما تكون القوات أكثر من غيرها، قد تورطت في إراقة الدماء اللبنانية والفلسطينية، لكن ذلك لا يمنح صكوك براءة للآخرين على الإطلاق ... كما أن “القوات” اليوم، ليست هي تلك التي عرفناه في الحرب الأهلية ... وأحسب أن لقاءات محدودة قد جرت مع كوادر هذا الحزب، كانت كافية للدلالة على حجم التغييرات التي طرأت على بنيته السياسية والفكرية والتنظيمية ... أمرُ يقر به أصدقاء القوات وخصومها من اللبنانيين، على أنه ما زال غائباً عمن هم خارج لبنان، وبالأخص، أولئك الذين لا يتابعون الشأن اللبناني بتفاصيله. 
“المسيحيون أولاً”، ربما كان الشعار الذي جمع القطبين المسيحيين البارزين ... وأحسب أن المآلات التي انتهى إليها مسيحيو المشرق في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة، ومظاهر التشريد والإبعاد والاعتداء والقتل والتخريب في الممتلكات وأماكن العبادة التي تعرضوا لها في العراق وسوريا بخاصة، كانت أحد أهم محركات هذا التقارب ودوافعه. 
لبنان الذي تحول منذ زمن بعيد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، يبدو مرشحاً لولوج عتبة مرحلة جديدة، سيكون اتفاق عون – جعجع أحد أبرز ملامحها، تماماً مثلما كان “اتفاق مار ميخايل” بين حزب الله والتيار الوطني الحر، عنواناً لمرحلة طويلة، سبقت الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، ولا ندري إن كانت ستتواصل او ستحتفظ بزخمها، بعد “اتفاق معراب”. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«انقلاب أبيض» في لبنان «انقلاب أبيض» في لبنان



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 14:46 2020 الثلاثاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

الحرب الكبرى

GMT 15:17 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

الخارجية لا يريدها مريد

GMT 14:55 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

لا تقرأ ولا تصدق!

GMT 20:03 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الجمهورية الافتراضية

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya