بقلم : عريب الرنتاوي
المبادرة التي أطلقتها “لجنة المتابعة العربية” لإنهاء الاقتسام، لا تكتسب أهميتها من مضمونها، بل من هوية الجهة التي أطلقتها وتقف خلفها وتعمل على إنفاذها بكل السبل والأدوات المتاحة.
من حيث المضمون، المبادرة تتحدث عن حكومة وحدة وطنية تتولى السلطة قولاً وفعلاً في الضفة والقطاع، تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون فترة تمتد من ستة أشهر إلى عام واحد، على أن تتعهد الأطراف باحترام نتائج الانتخابات، فتلتزم الأقلية بحكم الأغلبية، على أن تراعي الأغلبية حقوق ومصالح ودور ومشاركة الأقلية ... بهذا المعنى، ليس في نصوص المبادرة جديد نوعي، يختلف عن ركام المبادرات والاتفاقات والتفاهمات التي سبق وأن أبرمت في حوارات القاهرة – الدوحة – غزة وغيرها.
لكن من حيث هوية “المبادر” يبدو الأمر مختلفاًتماماً هذه المرة، فنحن لا نتحدث عن “وسيط” بين طرفي الانقسام، بل عن مكون أصيل من مكونات الشعب الفلسطيني، يحظى بمكانة اعتبارية مهمة عمّدها بصموده الأسطوري على أرضه، ونجاحه الفائق في حفظ هويته الوطنية، ونضاله الذي لا يتوقف لانتزاع حقوق “المواطنة” و”الوطنية”... وهو فريق نجح في اجتياز اختبار “الوحدة” والعمل المشترك، فخاض الانتخابات في قائمة موحدة، ومختلف كياناته الفكرية والسياسية تنضوي تحت راية “لجنة المتابعة العربية”، أي أنه فريق قدم نموذجاً في العمل الوطني الموحد الذي لا يلغي التعددية ولا يصادر الخصوصية.
القائمون على المبادرة، وفي مقدمهم الأستاذ محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة، يعرفون تمام المعرفة، تعقيدات الانقسام والعقبات التي تعترض إنهاءه ... فهم من أهل مكة أيضاً، الأدرى بشعابها ... مطلون على الأبعاد الداخلية والإقليمية التي أسهمت في تعميق الانقسام وتكريسه ... وليس خافياً عليهم، أنهم ليسوا بصدد نزهة قصيرة، وأنهم سيواجهون “الطفيليات” و”جماعات المصالح” التي نمت على جذع الانقسام في العشرية السوداء الأخيرة ... لكنهم مع ذلك، مصممون على سلوك هذا الدرب، بروحية نضالية عالية، وبنزعة تشاركية أصيلة، مع كل القوى الحية والجماعات الفلسطينية المناضلة في سبيل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.
يؤمنون بأن لا رابح من الانقسام، وأن من يعمل من طرفيه بعقلية “المعادلة الصفرية” واهم وخاسر لا محالة، وأن المعادلة الواقعية التي تتحكم بقوى الانقسام هي “خاسر – خاسر” وأن الشعب الفلسطيني ضاق ذرعاً باستمرار حالة التشظي، وأنه سيتحرك لا محالة، وربما عاجلاً قبل آجلاً، لوضع حد لها.
يتحدثون مع الفريقين بلغة المصالح العليا والحاجات الملحة وشروط الانتصار في المواجهات الراهنة والمقبلة مع المشروع الاستيطاني التوسعي العنصري الإسرائيلي، وهم يتلقون ردود أفعال مشجعة حتى الآن: الرئيس عباس، قبل مسبقاً بما ستنتهي إليه جهود الفريق في هذا المجال، من دون تحفظ كما أبلغنا محمد بركة ... وحركة حماس، أعطت الفريق ضوءً أخضر للمضي في مسعاه، مبدية الاستعداد للتجاوب مع جهوده، فيما الأطراف الأخرى، من فصائل وقوى وشخصيات ومجتمع مدني وقطاع أعمال، تدعم بقوة مسعى الفريق ... على هذه العوامل مجتمعة، تنعقد آمالهم ورهاناتهم على النجاح، واجتياز الدرب الشائك والطويل.
يخاطبون طرفي الانقسام بكل “التهذيب” الذي يليق بالعمل السياسي والوطني الجدي، لكنهم سيكونون “أقل تهذيباً” في الخطاب والمخاطبة، إذا ما تبين لهم أن ثمة من يماطل ويسوف ويغلب مصالح أنانية وحسابات مؤقتة على ما هو مصلحة وطنية عليا وحسابات استراتيجية للشعب وحركته الوطنية وقضيته العادلة ومشروعه في الحرية والاستقلال.
وإذ يعتمدون اليوم، لغة الحوار والإقناع “والمجادلة بالتي هي أحسن”، فإنهم لن يتورعوا عن اللجوء إلى مختلف الأدوات النضالية لإنجاز مهمتهم، ومن بينها الدعوة لتسيير المظاهرات وتنظيم الاعتصامات والإضرابات في الداخل والشتات، إن لزم الأمر ... هم مدركون تماماً لأهمية تمكين مشروع إنهاء الانقسام من الزخم الشعبي وقوة الضغط اللازمة على الأطراف حتى تجنح لخيار المصالحة ... وهذا ما افتقدته للأسف، كافة المبادرات السابقة التي انطلقت في السنوات العشر الأخيرة.
مبادرة لجنة المتابعة، توفر للشعب الفلسطيني فرصة حقيقية لتجاوز الانقسام، أن أمكن للقائمين عليها توسيع نطاق تحركهم وتحالفاتهم إلى الضفة والقطاع والشتات، وتشكيل جبهة عريضة في مواجهة رياح التقسيم والانقسام، وهي مبادرة نضالية مستقلة، ونابعة من الذات (من الداخل)، وغير محكومة بأية أجندات إقليمية، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب ... ولهذا فهي تستحق كل الدعم والإسناد والتأييد، وإذ أضع توقيعي على هذه المبادرة بلا تحفظ، فإنني أدعوا جميع المخلصين والشرفاء من أبناء شعب فلسطين، لتأييدها والعمل مع لجنة المتابعة كتفاً لكتف، لتحقيق مراميها، كما أدعو كل الغيورين على قضية فلسطين، من أشقاء هذا الشعب وأصدقائه، للتعبير عن إسنادهم لهذه المبادرة، والقيام بما هو متاح من أنشطة وتحركات، لإظهار هذا الدعم، فالدعم حين يظل حبيس الصدور والعقول، كأنه لم يكن، لكنه سيتحول إلى قوة مادية جبارة، حين يترجم بسلسلة من الأنشطة والأفعال الواقعية الملموسة، فدعونا لا نضيع المزيد من الوقت.