«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

المغرب اليوم -

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية

بقلم - عريب الرنتاوي

لا يمكن فهم تصريحات خالد مشعل المرحبة بالاجتياح التركي لعفرين، في سياق المجاملة التي يقدمها الضيف للمضيف، ولا بوصفها “ضريبة كلامية” يقدمها فصيل إسلامي ينظر لتركيا بوصفها زعيمة الأمة الإسلامية، ويضرع إلى الله بأن ينقلها من نصر إلى آخر (في سوريا وربما العراق بالطبع) ... المسألة أعمق من ذلك بكثير، وتعود في الأساس لضعف أو غياب المكون الوطني/القومي في خطاب هذه الحركات، لصالح الحضور الكثيف لمفهوم “الأمة”، الإسلامية بالطبع.
فطالما أن في تركيا حكماً تعتبره هذه الحركات ومن بينها حماس، إسلامياً، يناظره حكم “علماني” في سوريا، ذو سمة مذهبية “علوية” ... وطالما أن العراق يخضع لائتلاف حزبي حاكم، تتوزع مرجعياته بين النجف و”ولاية الفقيه”، فإن من الطبيعي أن تنحاز تيارات الإسلام السياسي السنيّة، إلى تركيا، حتى وهي تحتل عفرين وتهدد باجتياح سنجار.
مثل هذه العلاقة المختلة – جوهرياً – بين الديني والقومي في خطاب هذه الحركات، حكمت سلوكها بالكامل، طوال ما يقرب من المائة عام، فلم يكن لدى الحركة الإسلامية في فلسطين، هاجساً اسمه الهوية الوطنية، أو الكيانية الفلسطينية، ولم تجد صعوبة في التكيف مع الشتات الفلسطيني، فتتماهى مع معطيات ما بعد وحدة ضفتي الأردن، وتجد في إخوان مصر، مبتدأ الجملة الفلسطينية وخبرها، في حين ظلت الحركة الوطنية الفلسطينية تسعى جاهدة في استعادة الهوية والكيانية الفلسطينية إلى أن كان لها ما أرادت، وثمة محطات معروفة لهذه العملية الكفاحية، لا حاجة لاسترجاعها في هذه العجالة.
ويفسر هذا الاختلال في العلاقة بين “الديني” و”القومي/الوطني”، “هجرة” قيادات وكوادر إخوانية، من فلسطين الرازحة تحت نير الاحتلال وأنياب الاستيطان، للالتحاق بقوافل “الجهاد العالمي” ضد “الخطر الشيوعي” الزاحف على أفغانستان، فـ”الأمة” تأتي أولاً، أما الأوطان، وما تفيض به من هويات ووطنيات، فهي انقسامات وتقسيمات لجسد الأمة الواحدة، مكروه، إن لم نقل “بدعة” وكل بدعة “ضلالة” وكل ضلالة في النار.
وفي زمن الربيع العربي، كان يمكن ملاحظة كيف ضبطت حماس حركتها على إيقاع صعود وهبوط جماعة الإخوان المسلمين في الإقليم ... فما أن لاحت في الأفق فرصة الانفكاك عن “الحلف الشيعي – البعثي” في سوريا، حتى تموضعت الحركة في أحضان الجماعة المصرية، لتنتقل بعد ذلك إلى كنف المحور التركي – القطري، الراعي الإقليمي الرسمي لجماعة الإخوان في المنطقة في هذه المرحلة ... وقد دفعت الحركة، ودفع معها شعبها، خصوصاً في غزة، أبهظ الأثمان، جراء تغليب “الديني” على “الوطني/القومي”.
إن تداعيات هذا الاختلال الجوهري في خطاب الجماعات السنيّة، لا يجعل منها رؤوس جسور لتركيا في الإقليم، بل وقد يدفعها للاستنجاد بـ”الناتو” لحسم الحرب الدائرة في سوريا، كما فعل الشيخ القرضاوي ذات فتوى، طالما أن الطابع الرئيس للمعارضات هناك، هو “إسلامي – سنّي”، وليس في ذلك ما يدعو للاستغراب فقد سبق لهؤلاء أن قاتلوا الشيوعيين تحت رايات “الناتو” في أفغانستان، وتحالفوا معه ضد أنظمة قومية ويسارية عربية، زمن الحرب الباردة.
الشيء ذاته ينطبق على حركات الإسلام السياسي الشيعي، الفَرِحةِ بدورها برؤية رايات إيران ترفرف في سماء العراق وسوريا، إن لم يكن بصورة مباشرة، فعبر الرايات المذهبية للأحزاب والميليشيات المسلحة ... هنا، لا قيمة لمفاهيم السيادة و”الوطنية” و”الهوية القومية”، هنا الأولوية لمفهوم “الأمة” من منظور شيعي خالص ... وعندما تلوح في أفق بعض الفصائل الشيعية، إرهاصات عودة للمكون “الوطني أو القومي” كما في التجربة العراقية تحديداً، نرى كيف تنقض فصائل الإسلام السياسي والمسلحة الشيعية الأخرى، على هؤلاء، بوصفهم “مارقين” و”شيعة “سفارات” و”كمائن متقدمة” لواشنطن في المنطقة.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية «القومي» و«الديني» في خطاب الحركات الإسلامية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya