الرابحون والخاسرون من القرار الأمريكي

الرابحون والخاسرون من القرار الأمريكي

المغرب اليوم -

الرابحون والخاسرون من القرار الأمريكي

بقلم - عريب الرنتاوي

حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ في الوقت الذي ذهبت فيه التقديرات إلى أن واشنطن تعمل لوجود مستدام في شمال – شرق سوريا، وأنها بصدد إعلانها منطقة «حظر طيران» تكراراً لما حصل في شمال العراق في العام 1991، وفقاً للموفد الأمريكي جيمس جيفري... وفي الوقت الذي كان فيه الناطقون باسم الخارجية والبنتاغون، ومن بينهم هذا «الموفد»، يربطون مستقبل الوجود العسكري لبلادهم في سوريا بتحقيق أهداف ثلاثة، ليست هزيمة «داعش» سوى واحدٍ منها بالإضافة إلى إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وضمان عملية سياسية متوازنة في هذه البلاد بعد سنوات ثمان عجاف من الحرب فيها وعليها.

في هذا الوقت بالذات، يعلن البيت الأبيض بدء سحب قواته من سوريا، منهياً وجوداً عسكرياً ظل موضع شد وجذب، وظل مصدر قلق لدمشق وعامل تحسب لموسكو ومنبع كل المخاوف لإيران وشوكة في حلق أنقرة... حتى أن الناطقين باسم البيت الأبيض، قد حددوا مهلةً زمنية قصيرة لإنهاء هذا الوجود تتراوح ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر أو يزيد قليلاً.

هي الولايات المتحدة في زمن ترامب، أقرب ما تكون للمدرسة «القذافية» في إدارة السياسة الخارجية، الأمنية منها والدفاعية... تعطي مؤشرات في اتجاه وتذهب عكسه تماماً... هي واشنطن، التي أقلقت العالم بتأكيداتها المتتالية على اقتلاع إيران من سوريا وقصقصة أجنحتها... وتحجيم «نصر بوتين» فيها، وتقييد الأسد بكل السلاسل والأغلال، وحماية الأكراد، الحليف الموثوق في الحرب على داعش... هي واشنطن التي قالت كل ذلك، وفي لحظة واحدة، فعلت نقيضه تماماً.
خاسران رئيسان اثنان من القرار الأمريكي، الذي وإن جرى بشأنه حديث كثير خلال العامين الفائتين، إلا أن كافة الدلائل على الأرض كانت توحي بخلاف ما يعلن دونالد ترامب، إلى أن قرر الرجل مؤخراً، لملمة شتات إدارته، ودفعها بقوة للانسحاب من كافة الأراضي السورية، ونفهم من ذلك شمال – شرق سوريا، والأهم، بالنسبة لنا في الأردن، جنوبها الشرقي، أي قاعدة «التنف» على مقربة من حدودنا مع سوريا، وعلى مرمى حجر من مخيم الركبان، المثير للقلق والتحسب.
الخاسر الأول، هم أكراد سوريا، وقد تحدث الناطقون باسمهم عن «خيانة» و»طعنة في الظهر»، وخرجوا للإعلام يتهددون ويتوعدون... لكأنهم لم يتعلموا الدرس من أسلافهم، ولم يصغوا لنصائح أصدقائهم وخصومهم «المتغطي بالولايات المتحدة... عريان»... طاش سهمهم وخابت رهاناتهم، وليس عليهم اليوم سوى الإسراع، ومن دون مماطلة، وفي غضون أسابيع وليس أشهر، أن يحسموا أمرهم ويسلكوا واحداً من طريقين: إما انتظار الجحافل التركية المتحفزة للمنازلة الكبرى مع «الكيان الإرهابي»... وإما فتح الأبواب لعودة النظام السوري إلى مناطقهم، والوصول إلى تسوية مع دمشق، تسرع في نشر الجيش السوري في منبج وشرق الفرات، برعاية روسية، تنجيهم من «حمى الحسم» التي ترتفع حرارتها في صدور الأتراك.
الخاسر الثاني، هو إسرائيل، وقد رددت القناة الثانية بلسان عبري ما سبق للأكراد أن قالوه بلغة كردية، في وصف القرار: «خيانة» و»صفعة» و»طعنة»... الآن، وبعد القرار، ليس على تل أبيب سوى أن تقلع شوكها في سوريا بيديها، وهي مهمة كانت صعبة قبل القرار، وباتت أشد صعوبة بعده... إيران باقية في سوريا، ما طاب لدمشق وطهران ذلك، وضربات إسرائيلية متفرقة، وغالباً استعراضية، لن تفلح في تحقيق هدف نتنياهو «الاستراتيجي» في اقتلاع الوجود الإيراني من سوريا.

أما لائحة الرابحين من القرار الأمريكي فتطول... وهي تبدأ من ضاحية بيروت الجنوبية ولا تنتهي بطهران، مروراً بدمشق، ويكفي أن الخارجية الروسية هي أول من رحب بالخطوة الأمريكية حتى نتعرف على هوية الرابح الرابع في هذه اللائحة، التي تتربع تركيا على صدارتها كذلك، فقد انزاح عن كاهلها عبء ثقيل، وبات بمقدورها أن تنتهي مرة وإلى الأبد، من تحدي قيام كردي مستقل أو شبه مستقل، إن من خلال مسار أستانا وبتنسيق تركي مع موسكو ودمشق وطهران، أو من خلال التدخل المباشر بقواتها وجنودها، أو غير المباشر، عبر جيوش من «مرتزقة» المعارضات المتعطلة عن العمل، والتي لم يعد لها من وظيفة سوى القيام بمهام «دوريات الاستطلاع المتقدمة» أمام الجيوش التركية.

هو تطور نوعي، وعامل تغيير «Game Changer» مهم في الأزمة السورية، وإذا كانت الأنظار تتجه صوب مطالعة ستيفان ديمستورا الأخيرة أمام مجلس الأمن، فإنها تتجه الآن صوب وجهة أخرى، بعد أن فقدت المطالعة والجلسة قيمتها، وهي التي اعتبرها جيمس جيفري قبل أيام قلائل فقط، بأنها محطة فارقة بين مسارين: التسوية على طريقة استانا – سوتشي، أو العودة لمسار جنيف، وبدء العد العكسي لمواجهة كبرى مع روسيا وإيران وحتى تركيا... مسكين هذا الجيفري، فلم يسبق لموفد أمريكي أن خُذِل من رئيسه كما حصل له، وأحسب أن أوان استقالته قد حان، إن كانت لديه بقية من مهنية واعتداد بالذات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرابحون والخاسرون من القرار الأمريكي الرابحون والخاسرون من القرار الأمريكي



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج الميزان

GMT 11:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 01:15 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

عبير صبري تبدي سعادتها بنجاح أعمالها الأخيرة

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 03:32 2017 الخميس ,02 آذار/ مارس

نهى الدهبي تكشف عن رحلات السفاري المميزة

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 10:07 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

ســاق علــى ســـاق

GMT 05:02 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

مرسيدس تكشف عن سيارتها الجديدة GLB 2020
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya