الحزب والجماعة في الحالتين الأردنية والتونسية

الحزب والجماعة في الحالتين الأردنية والتونسية

المغرب اليوم -

الحزب والجماعة في الحالتين الأردنية والتونسية

بقلم عريب الرنتاوي

نشرت “السبيل” تصريحات لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، قال فيها أن حركته ستتحول إلى حزب سياسي، يتخصص بالعمل السياسي انطلاقاً من مرجعية الدولة، أما العمل الدعوي، فمتروك للمجتمع المدني بمؤسساته وجمعياته المختلفة، المستقلة عن الأحزاب جميعاً، بمن فيها النهضة.

التصريحات التي جاءت في اعقاب اجتماعات مكثفة لمجلس شورى لحركة تمهد لمؤتمر “تاريخي” للحركة في العشرين من الشهر الجاري، نشرتها وسائل إعلام عديدة، بيد أنني آثرت اقتباسها عن “السبيل”، لأن ما يهمني في أمر النهضة هنا، هو ما يمكن أن ينفع الأردنيين، ويبقى في أرضهم، ومن ضمنهم بالطبع، جماعة الإخوان المسلمين، التي تمر بواحدة من أصعب مراحل حياتها، الممتدة لسبعين عاماً في تاريخ المملكة.

النهضة “فكّت ارتباطها” بالجماعة الأم، هذا ما أكده مسؤولوها الكبار في مناسبات عدة، وبعضهم قالها في عمان، في مؤتمرات متعاقبة نظمها مركز القدس للدارسات السياسية ... جماعة الإخوان أدخلت تعديلاً على نظامها الداخلي مؤخراً، نرجو ألا يكون لفظياً أو شكلياً، قضى بفك ارتباطها بالجماعة الأم ... النهضة تعرف نفسها كحزب وطني ذي مرجعية إسلامية، وتشدد على “المدرسة الإسلامية الوطنية التونسية”، بوصفها هذه المرجعية ... نأمل أن يحذو إخوان الأردن، حذو النهضة في هذه النقطة بالذات، فإن لم يجدوا في التراث الفكري الإسلامي الأردني، ما يكفي لتشكيل هذه “المدرسة المرجعية”، فليؤسسوا هم مرجعيتهم الخاصة، النابعة من صلب الحياة الوطنية الأردنية وأولوياتها، بدل التنقل بين مرجعيات تشكلت في سياقات ثقافية ودينية وتاريخية مغايرة، وتحولت مع الزمن، إلى سبب في أزمة الجماعة بدل أن تكون وسيلتها للحل.

الإخوان المسلمون الآن، خارج القانون،رسمياً على الأقل... لم تعد جماعتهم في الأردن معترف بها ... أُغلقت مكاتبها بالشمع الأحمر، ومن قبل وضعت الحكومة يدها على “جمعية المركز الإسلامي”، ذراعها الاجتماعي – التربوي – الاقتصادي الضارب، وتعرض قادتها ونشطائها لمضايقات عديدة، ويبدو أن خيارات الجماعة باتت ضيقة للغاية، ومن الصعب “توسيعها” اعتماداً على نظرية “من منازلهم” أو بالرهان على كون “قلوب الأردنيين” هي مقراتهم بعد أن أغلقت الحكومة مقراتهم.

للجماعة الأردنية، ذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، فهل آن أوان تحوّل الجماعة برمتها إلى حزب سياسي، يعمل انطلاقاً من مرجعية الدولة كما قال الغنوشي عن النهضة في تونس؟ ... هل أن الأوان لممارسة العمل الدعوي والاجتماعي والخيري، عبر المجتمع المدني بجمعياته ومؤسساته المستقلة عن الأحزاب، كما ستفعل النهضة في تونس؟ ... هل آن أوان حسم الجدل الداخلي والخارجي، في الجماعة ومع من هم خارجها، والذي طالما اقترح “الفصل بين السياسي والدعوي”؟

سيبدو قبول الجماعة بهذه الأفكار، في هذه اللحظة بالذات، نوعاً من الانكسار أمام خصومها، وإذعاناً أمام الموجة العاتية التي تتعرض لها ... بيد أن هذا الجدل داخل الجماعة وخارجها، أقدم من الإجراءات الحكومية الأخيرة بكثير، والتلكؤ في حسم المسألة، ربما وفر مبررات إضافية لخصوم الجماعة للانقضاض عليها، ودفعها إلى “الاختفاء بهدوء” على حد تعبير الزميل إبراهيم الغرايبة.

ثمة حفاوة عربية ودولية بتجربة تونس، وتجربة النهضة جزء لا يتجزأ من التجربة التونسية، ولطالما ارتسمت إمارات السعادة على وجوه الإسلاميين الأردنيين، وهم يستمعون إلى عبارات الثناء والإطراء تنهال على “إسلاميي تونس” من قبل أردنيين وعرب وأجانب من مدارس فكرية وسياسية مختلفة، في مؤتمرات عقدت في عمان أو غيرها من المدن العربية، من دون أن يدرك إسلاميونا أن عبارات الثناء والإطراء تلك، غير قابلة “للتجيير” أو “التقريش” أردنياً، فالفجوة بين إسلاميي البلدين واسعة، والجماعة الأردنية ما زالت خلف نظيرتها التونسية، بمسافات طويلة، فهل آن أوان الالتحاق بهذا الركب؟

انخراط الإسلاميين في الحياة السياسية والعامة، شرط لا بد منه لإنجاح مسار التحوّل الديمقراطي، لكنه شرط يستولد شرطاً مقابلاً، ويتعلق بقدرة هؤلاء على تعميق المحتوى المدني والديمقراطي لخطابهم السياسي والفكري، بدءا من فصل الدعوي عن السياسي، والحزب عن الجماعة، والجماعة المحلية عن الجماعة الأم ... حتى الآن، ما زالت خطوات الجماعة الأردنية، متردد وثقيلة، مع أن الأحداث من حولها، تتوالى بتسارع خطير ومدهش، وقد تنتهي إلى ما لا تحمد عقباه، من منظور الجماعة ابتداءً، ومن المنظور الوطني الأوسع والأبعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحزب والجماعة في الحالتين الأردنية والتونسية الحزب والجماعة في الحالتين الأردنية والتونسية



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya