حوار مع حزب التحرير

حوار مع حزب التحرير

المغرب اليوم -

حوار مع حزب التحرير

بقلم : عريب الرنتاوي

لم أكن أعرف عندما ولجت قاعة الرشيد في مجمع النقابات، أنني سأكون على موعد مع “لقاء مختلف” … كنت قد حضرت نفسي لتقديم محاضرة حول “مفهوم الدولة المدنية”، أمام الجمهور المعتاد للمجمع، الذي يضم عادة، خليطاً من الإسلاميين والقوميين واليساريين، مع غلبة ملحوظة للتيار الإسلامي … هذه المرة، غابت مختلف ألوان هذا الطيف، أو كان حضورها باهتاً للغاية، وطغى على القاعة التي امتلأت عن بكرة أبيها، لون واحد: حزب التحرير.

أحسب أنني من المتابعين، قدر الإمكان، لأطروحات الحزب ومواقفه، وأتابع حيثما توفرت المصادر، خريطة انتشاره الكوني، ولطالما أدهشني حضوره المتعاظم في بعض دول آسيا الوسطى والباكستان، وتمكنه من الحصول على “الشرعية” في عدة أقطار عربية (تونس، لبنان والسودان)، مثلما يحظى بوجود شرعي في بلد كالدنمارك … وكان لافتاً بالنسبة لي، نجاح الحزب في تنظيم اجتماعات حاشدة في رام الله، ولقد علمت من الأصدقاء، أنه يحظى ببعض النفوذ كذلك في قطاع غزة، مع أنه ليس على علاقة تواد مع حركة حماس.

مشاركون من محافظات عدة، معظمهم مهنيون، على درجة محترمة من التعليم، يمكن أن تنسبهم إلى الطبقة الوسطى، وهذا حال الحزب في معظم ساحات انتشاره على أية حال … كوادر مثقفة، تعي ما تقول، أنجزت فروضها وواجباتها المنزلية، على درجة عالية من الكفاءة، متمرسة في المحاججة، ومواجهة الفكرة بالفكرة … واثقة من أطروحاتها، ولديها قناعة كبيرة، بأنها على حق، وأن المستقبل لها، مع أنه مضى على تأسيس الحزب أكثر من ستين عاماً، ولم يتمكن من الوصول إلى السلطة في أي بلد من البلدان.

ومع أنه تعذر عليّ أن أجد جملة مشتركة واحدة، مع أطروحات الحزب والحزبيين، إلا أنني أعترف بأنه كان نقاشاً ممتعاً وغنياً وحماسياً، إلى درجة غير مألوفة، وهذا لا يحدث عادة إلا عندما تصطدم الآراء والمواقف، النابعة من صميم عقل صاحبها ووجدانه، إلى حد يكاد يتماهى فيه المرء مع أطروحاته … فأنا مؤمن بكل كلمة قلتها عن الدولة المدنية، وهم مؤمنون بكل كلمة قالوها عن الدولة الإسلامية، وجميعنا دفع في مراحل مختلفة من حياته، أثماناً باهظة، لما آمن ويؤمن به.

الدولة المدنية مرفوضة، شكلاً ومضموناً ومرجعية، والمواطنة بدعة، فالأصل كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والعقد الاجتماعي لجان جاك روسو، يسقط عند حاكمية الله، والمسيحيون ذميّون … السيادة لله مقابل الأمة مصدر السلطات، والإرادة الجمعية، خرافة ويوتوبيا، والخلافة كانت مصدر نهضة المسلمين واستنهاضهم من قبل، وهي طريق نهتضهم واستنهاضهم من بعد.

ولأنني من المشتغلين بالأحزاب السياسية الأردنية ومعها، طوال الوقت، فلم أستطع أن أمنع نفسي من إجراء بعض المقارنات والمقايسات، بين “صلابة” بنية تنظيم ما زال رسمياً “تحت الأرض” وقدرة كادره وكفاءته من جهة، وبين الحال الذي تعيشه دزينات ثلاثة الأقل، من الأحزاب السياسية “المرخصة” … هنا تجد “المثقف العضوي” المنخرط في كل ثنايا ومنحنيات الحزب وسياساته وبرامجه وإيديولوجيته، وهناك، بالكاد يقوى الكادر الحزبي على تعريف حزبه، بجملة مفيدة واحدة، تميزه عن عشرات الأحزاب التي تشبهه.

والأهم من كل هذا وذاك، أن اللقاء الذي كان مقرراً لساعة أو ساعة نصف، امتد لأكثر من ثلاث ساعات، استكملناه على درجات المجمع، واتسم بكل من الأدب والكياسة على الرغم من اتساع الفجوة، التي بلغت حد المفاصلة في بعض اللحظات والمداخلات … ظل الأدب الجم، هو سيد الموقف، والرغبة في إقناع الطرف الآخر، أو حشره في أضيق الزوايا، خصوصاً أمام الجمهور، هو هدف المتحاورين.

مثلي في اللقاء المذكور، مثل فريق كرة قدم يلعب على غير ملعبه، وبعيداً عن جمهوره، الغالبية الساحقة من الحضور، من لون واحد: التحرير، اتضح ذلك في مداخلاتهم وأسئلتهم وردود أفعالهم وتصفيقاتهم … قلة من الحضور، توزعت على بقية ألوان الطيف، وكنت أجد لديها بعضاَ من الاستجابة والتجاوب … ولولا أنني معتاد على اجتياز “كمائن” من هذا النوع، لكنت غادرت، قبل أن أتحدث أو قبل أن أتمم حديثي… لولا التهذيب التي ميّز مداخلات معظم الحضور، لانتهى الأمر بما لا يحمد عقباه.

جرأة المتحدثين، كانت لافتة، وإن لم تكن مستغربة لرجل مثلي، عرف عدداً منهم في مراحل مختلفة من حياته … حتى أن أحدهم اعترض على وصفي لهم بأنهم حزب “تحت الأرض”، وقال إننا الحزب الذي يحلق عالياً، فوق الأرض وليس تحتها، وفي هذا المجال، لم تتميز جرأتهم بازدواجية المعايير، كما البعض ممن نعرف وتعرفون، فقد انتقدوا النظام والمعارضات والحركات الإسلامية والعلمانية، وكل من يخالفهم الرأي، بالسوية ذاتها تقريباً.

بعد اللقاء، صرت على قناعة أكبر من أي وقت، بأن التعددية السياسية والفكرية الأردنية، تكاد تدور حصرياً في دائرة واحدة، دائرة ما يسمى بالإسلام السياسي، فهي تراوح ما بين الإخوان والسلفيين والتحريريين، وفصائل وجماعات أخرى أقل شأناً … أما بقية التيارات السياسية والفكرية، فقد تحولت إلى “بقايا صور” خرجت من كتب التاريخ، إن لم نقل خرجت من التاريخ نفسه.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار مع حزب التحرير حوار مع حزب التحرير



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya