فشل مزدوج

فشل مزدوج

المغرب اليوم -

فشل مزدوج

بقلم : عريب الرنتاوي

أخفق الفلسطينيون في “النأي بقضيتهم” عن حروب المحاور والمعسكرات الإقليمية المتناحرة، برغم تأكيداتهم المتكررة، بان “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية” هو موقف يرقى إلى مستوى “الاستراتيجية العليا” بالنسبة إليهم .... في المقابل، أخفق العرب في إبقاء “قضيتهم المركزية الأولى” بعيداً عن النزاعات والحروب البينية، برغم أحاديثهم المتكررة عن “قدسية” القضية و”مركزيتها” اللتين تجعلانها دائماً فوق الصراعات البينية وعابرة لخطوط التماس بين المحاور والطوائف والمذاهب.

من مصر إلى سوريا، بدا أن حركة حماس، أحد طرفي المعادلة الفلسطينية متورطة بوعي مسبق وإرادة عليا، في الصراعات الأهلية الدائرة هناك، ظناّ منها أنها بتورطها المكلف ذاك، تنتصر لشعوب هذه البلدان، وتنحاز إلى “الطرف المنتصر” في الصراع ... في كلتا التجربتين، جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن الحركة، وفي كلتا التجربتين، تدفع الحركة وشعبها أثماناً باهظة، بدلالة ما نشهده من قصص إنسانية مروعة على معبر رفح.

في المقابل، وإذ نأت السلطة بنفسها عن الصراع الدائر على هاتين الساحتين، فقد تورطت في صراعات أخرى على محاور وساحات مختلفة ... أعلنت انحيازها لطرف ضد آخر في الحرب الدائرة في اليمن وعليها ... وتساوقت مع مندرجات الصراع الإقليمي المحتدم بين طهران والرياض، وصولاً إلى اللقاء الإشكالي غير المسبوق، الذي جمع رئيس السلطة بزعيمة حركة “مجاهدي خلق” في باريس، في خطوة حملت معاني “القطع” و”القطيع” مع إيران ومحور بأكمله.

العرب في المقابل، لم يدّخروا جهداً إلا وبذلوه للزج بالفلسطينيين في صراعاتهم ونزاعاتهم البينية ... المعارضة السورية، بمن فيها الفصائل الجهادية، تستقوي بجماعات فلسطينية مسلحة، تم تجنيدها في سياق أزمة السنوات الست التي عصفت بسوريا، والنظام في المقابل، حريص على إبراز مساهمة كتائب وفصائل فلسطينية في حربه الدائرة على مساحة الدولة السورية، ولا أدري كيف سينتهي المطاف بفلسطين، وفلسطينيي هذه البلد، بعد أن تصمت المدافع وتضع الحرب أوزارها.... وفي لبنان تتوزع المخيمات على الأحزاب السياسية والأجهزة الأمنية اللبنانية، الموزعة بدورها على الطوائف والمذاهب، وبصورة تزيد في هشاشة الوضعين السياسي والأمني للاجئين الفلسطينيين.

على النطاق الإقليمي الأوسع، يبدو أن سياسة الاستهداف المنهجي المنظم، ضد جماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي عموماً، التي تنتهجها عواصم عربية عديدة، لم تراع “الخصوصية” الفلسطينية، التي تجعل من حماس، حركة وطنية/ إسلامية ذات هوية مركبة، فقررت أخذ الحركة بجريرة الجماعة الأم، وأفضى ذلك، إلى اهتمام فائض عن الحاجة، بوحدة فتح وترتيب بيت السلطة الداخلي، وتفعيل المنظمة.

وقد تفضي الضغوط التي يتعرض لها الرئيس الفلسطيني لإتمام المصالحة مع العقيد المنشق محمد دحلان، إلى ما لا تحمد عقباه من نتائج وعواقب ... لكأن السلطة التي تجابه مخاطر الانهيار والفشل، جراء سوء أدائها أو منافسة خصومها أو تآمر الاحتلال الإسرائيلي عليها، لا يكفيها ما لديها من مشكلات وتحديات، حتى تتفرغ لدرء هذه الضغوط والالتفاف عليها، والتقليل من المخاطر المترتبة على الخضوع لها أو مقاومتها، وفي كلتا الحالتين، تبدو العواقب وخيمة للغاية.

وفي حالتي، التورط الفلسطيني في النزاعات العربية، أو زج العرب بالقضية في صراعاتهم، فإن أحداً لا يمكنه تبرئة القيادة الفلسطينية من المسؤولية عن المآلات الصعبة لمثل هذه السياسات والمقاربات ... فقد كان يتعين على هذه القيادة، الإخلاص لشعارها بـ “عدم التدخل”، مثلما كان يتعين عليها الاستمساك على نحو غير قابل للمناقشة، بـ “استقلالية القرار الوطني”، وسد كافة الشقوق والثغرات، التي يمكن من خلالها للأدوار والأجندات الإقليمية غير المرغوب لها، أن تتسلل إلى الداخل الفلسطيني.

أظهرت تجارب الفلسطينيين، وتجارب العرب، خصوصاً في “ربيعهم الدامي”، أنه كلما نجحت دولة أو مجتمع في تحصين “دواخلها” وتمتين روابطها وأواصرها الوطنية والاجتماعية، تعذر على “الخارج” أن يجد لنفسه موطئ قدم على أرضها وبين أهلها ... في الحالة الفلسطينية، وبسبب الشتات واعتبارات الجيوبوليتك وخصوصية المسألة الفلسطينية، تبدو مهمة التحصين أكثر صعوبة، بيد أنها ليست مستحيلة على الإطلاق، خصوصاً إن أدرك من هم في مواقع صنع القرار، أن “الاستقلالية” و”عدم التدخل”، هما شرطان واجبان من شروط “البقاء” و”الاستدامة”، وليس  الظفر والانتصار فحسب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فشل مزدوج فشل مزدوج



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya