بقلم : عريب الرنتاوي
في المعلومات، المؤكدة وشبه المؤكدة، أن مبادرة الوزير الأمريكي جون كيري لإنهاء الحرب في اليمن وعليه، تتضمن جملة نقاط، مقبولة من طرفي الحرب، وتجد قبولاً وترحيباً من قبل التحالف الثنائي (الحوثي – صالح)، منها: أن الحل إما أن يكون شاملاً، أمنياً وسياسياً، أو لا يكون ... تجزئة الحل، والشروع في الشق الأمني منه، من دون أي اتفاق أو حتى ضمانات لحل سياسي متوازن، كان مطلب الفريق الآخر، وتسبب في فشل “مشاورات الكويت” إلى أن جاء كيري، بتصور حول “الرزمة الشاملة”، فأعاد الأمل في إمكانية استئناف المفاوضات قريباً.
ومنها أيضاً، أن حكومة وحدة وطنية موسعة، هي نقطة البدء في هذا الحل، هنا تؤكد المصادر أن الجانب الأمريكي، الذي أدار في مسقط حواراً غير مباشر مع الحوثيين، يقترح حكومة مثلثة الأضلاع: جماعة هادي، الحوثي وصالح، ومن يوالي هذه الأطراف الرئيسة من جماعات ومجاميع ... وأن الرئيس “الشرعي” عبد ربه منصور هادي، سيتقدم باستقالته مع بداية العملية الانتقالية في اليمن، وفي أسوأ الحالات، سيفوض صلاحياته كاملة لنائب توافقي لرئيس الجمهورية سيتولى ممارسة كافة الصلاحيات التنفيذية، وربما يكون هو ذاته رئيساً لحكومة الوفاق الوطني، أما نائب الرئيس المقرب من الإخوان، والمثير للجدل، الجنرال علي محسن الأحمر، فسيغادر موقعه قبل أن يجف حبر الاتفاق حال التوصل إليه... إن صحت هذه المعلومات، والأرجح أنها صحيحة، فإن “الشرعية” التي خيضت الحرب من أجل استعادتها وإعادتها إلى صنعاء، ستكون أولى ضحايا “الرزمة الشاملة” التي يروج لها جون كيري وولد الشيخ.
أفكار كيري التي قبلها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، تحدثت عن إخلاء الحوثيين المدن الكبرى بدءاً من صنعاء ... هنا سيكون نقاش وجدل كبيرين، فالكثيرون من أنصار الحوثي هم من سكان هذه المدن وأبنائها، فهل يشملهم اقتراح انسحاب “المليشيات الوافدة” من خارج المدن، وكيف يمكن التمييز هؤلاء وأولئك، وماذا عن حالة التداخل بين رجالات الحوثي ورجالات صالح، وكيف يمكن فكفكة هذا التداخل... ثم ماذا عن المدن والمديريات التي تسطير عليها مليشيات موالية لحكومة هادي، هل ستكون مشمولة بالانسحابات أم أن الأمر يقتصر على الحوثيين، هنا سيكون لصالح والحوثي، رأي في ضرورة أن يخضع الجميع لمسطرة واحدة.
وثمة اقتراح بتسليم السلاح الثقيل، المدفعي والصاروخي، الذي بحوزة الحوثي لصالح “طرف ثالث”، ماذا عن الأسلحة الثقيلة التي بحوزة المليشيات المتحالفة مع “الشرعية”، وهي فضلاً عن بعض فصائل الحراك الجنوبي، مليشيات تتبع السلفية بمدارسها المختلفة، وجماعة “الإصلاح” الإخوانية ... ثم من هو هذا الطرف الثالث الذي سيتولى تجميع السلاح، وهل هي سلطنة عمان، التي يبدو أن علاقاتها آخذة في الفتور مع الرياض على خلفية التباين في المواقف من إيران والحرب في اليمن ... وإذا قبل الحوثيون بتسليم السلاح لمسقط، فهل ستقبل الميليشيات الأخرى بذلك؟ ... هذه قضية أخرى ستكون موضع بحث وتفاوض شديد الصعوبة عن استئناف “المفاوضات/ المشاورات”.
قبل هذه وتلك من القضايا التي ستثار على مائدة التفاوض، تبدو قضية “التهدئة” و”الوقف الشامل” للعمليات العدائية، في صدارة الأولويات ... الحوثيون بخاصة، يشترطون أولاً ما يسمونه “وقف العدوان”، يدعمهم صالح في موقفهم هذا، فهل ستقبل الأطراف الأخرى بذلك، وإن قبلت، فهل ستستطيع فرض الالتزام على المليشيات السلفية والإخوانية التي لها حسابات أخرى، وتخشى أن تصبح الهدف التالي في مرحلة ما بعد الاتفاق.
والحقيقة أن ثمة فجوة واسعة، بين “اللغة الانتصارية” التي تميز تغطيات بعض الفضائيات العربية للحرب الدائرة في اليمن وعليه من جهة، والأنباء، المؤكدة وشبه المؤكدة، عن الأفكار التي حملها جون كيري معه إلى جدة، وعرضها الخبراء والمساعدون الأمريكيين على طرفي الصراع ونظرائهم في “خارجيات” الدول الخليجية الست.
إعلامياً، لا ينفك الإعلام الفضائي العربي المحتكر من حفنة من الدول عن إذاعة أنباء الانتصارات على جبهات تعز وصنعاء والجوف وكافة خطوط التماس تقريباً ... ميدانياً لم نر اختراقاً نوعياً يحدث على أي من هذه الجبهات والمحاور ... فوفقاً لهذا الإعلام، والضيوف المختارين بعناية للحديث عن “حرب اليمن”، سيما الخبراء العسكريين والاستراتيجيين ، كان ينبغي أن تكون صنعاء قد استعيدت لكنف “الشرعية” منذ عدة أشهر، وعمليات إعادة إعمار تعز قد شارفت على الانتهاء، لكن أياً من هذا لم يحدث على الإطلاق، والحرب الذي قُدّر لها أن تبقى محصورة في اليمن، قد توسعت لتشمل نجران وعسير وجيزان، ويوم أمس، وجّه تحالف صالح الحوثي، رسالة بالغة الخطورة إلى المملكة العربية السعودية، عندما أطلق صاروخاً باليستياً من طراز “بركان 1” على الطائف، على مبعدة 800 كم من الحدود، الأمر الذي يعد تطوراً ذا مغزى في حرب الحدود المشتعلة منذ أزيد من عام.
حرب اليمن تحولت إلى كارثة كبرى تعتصر البلاد والعباد، وإلى مستنقع يتهدد أطراف الحرب في اليمن، باستنزاف مكلف وطويل الأمد ... ومن مصلحة الأطراف جميعها، أن تخرج بأقل الخسائر من هذه الحرب، من خلال الاستجابة لمبادرة كيري وجهود الموفد الدولي إسماعيل ولد الشيخ، فالحرب التي قُدّر لها أن تستمر 18 يوماً، تكاد تكمل الـ “18” شهراً، وهي مرشحة للاستمرار لأشهر عديدة، حتى لا نقول لسنوات عديدة قادمة، بشهادة معظم العارفين ببواطن الحالة اليمنية.