النظام العربي ذروة جديدة في التهالك

النظام العربي... ذروة جديدة في التهالك

المغرب اليوم -

النظام العربي ذروة جديدة في التهالك

بقلم - عريب الرنتاوي

لا شيء يثني النظام الرسمي العربي عن "بيع الأوهام"، إذ حتى بعد أن أصدر دونالد ترامب قراره / الصفعة، بنقل سفارة بلادة للقدس واعترافه بالمدينة المحتلة عاصمة لإسرائيل، يخرج علينا مسؤولون عرب، ليعربوا عن عميق ثقتهم بالتزام هذه الإدارة بعملية السلام، وبسعيها الحثيث لإنجاز "صفقة القرن"، بل ولا يترددون في البوح عن توفرهم على "خريطة طريق" لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حال انتهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

لقد أنجزوا خرائط التطبيع مع إسرائيل، بيد أنهم لم يتقدموا قيد أنملة لرسم خريطة طريق لإنهاء الاحتلال وحل القضية الفلسطينية، وفقاً لمبادرتهم، مبادرة السلام العربية ... حين يتصل الأمر بإسرائيل والتقرب منها، تبدو خرائط الطرق معدة سلفاً، أما حين يتعلق الأمر باسترداد القدس ومنع تهويدها وضمها، وتكريسها "عاصمة موحدة أبدية" لإسرائيل، فهم لا يتوفرون إلا على المناشدات اللفظية "الرقيقة" و"الخجولة"، والتي تصدر غالباً لمجاراة موجة الغضب الشعبي وبغية الإبقاء على ما تبقى من ماء الوجه.

عن أي سلام يتحدثون؟ ... ربما هم صادقون تماماً حين يتحدثون عن "عملية"، أما السلام الذي يجري في ركابها، أو يراد به تتويجها، فهو استسلام بالكامل أمام جشع اليمين الإسرائيلي التلمودي وشهيته المفتوحة على الضم والتهويد ومصادرة الحقوق وتدنيس المقدسات ... لا سلام في الأفق، إن هم اشترطوه عادلاً ومُعيداً للحد الأدنى من حقوق شعب فلسطين، ولقد تكشف صاحب "صفقة الزمان"، دونالد ترامب، عن التزام عميق برواية أكثر تيارات التطرف الديني والقومي غلواً في إسرائيل، واستعار في تبريره لقراره الاستفزازي، بكل الأساطير المؤسسة للرواية الصهيونية عن "الأرض بلا شعب والشعب بلا أرض"، "أرض الميعاد التي وهبها الله لشعبه المختار".

ما الذي يدور في عقول هؤلاء وهم يبيعوننا هذه البضاعة الفاسدة؟ ... وهل يعتقدون أن شعوبنا العربية، وبالأخص الشعب الفلسطيني، بات يصغي أو يقبل أو يصدق ما يصدر عنهم؟ ... هو يعرف أنهم عاجزون حين يفعّل فضيلة "حسن الظن" ويفترض أحسن النوايا ... وأنهم "متواطئون" حين يريد تسمية الأشياء بأسمائها، وأنهم يريدون "ضبضبة" هذا الملف، حتى وإن برفع الراية البيضاء لترامب ونتنياهو وشاس والمفدال والبيت اليهودي.

لماذا لا يلتزمون صمت القبور، ويتجملون بالقاعدة الذهبية، "الصمت من ذهب"، طالما أنهم لا ينطقون إلا كفراً حين تتحرك ألسنتهم، ويبدؤون بإصدار التقييمات والمواقف، ويكشفون عمّا يدور في كواليسهم ودواخلهم... وهل صمتهم ممكن أم ممنوع، أليس من حقنا أن نفترض، بأن كلامهم بات شرطاً ومتطلباً لاسترضاء سيد البيت الأبيض، وتعبيد الطريق لصفقته ومشاريعه المفصّلة على مقاس اليمين الإسرائيلي و"الإيباك".

لقد غابوا أن أدوارهم المطلوبة في لحظة الملمات التي تحيط بقضية الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، وعندما تولى رجب طيب أردوغان الدعوة لقمة إسلامية طارئة، غابوا عنها، واكتفوا بأدنى مستويات التمثيل، ومن "خارج الملاك المختص"، من دون أن يترددوا في إعطاء الأوامر لـ "غرف الأخبار" التي باتت منذ زمن، "غرف عمليات"، بشن أقذع حملات الهجاء والقدح ضد الرجل، واتهامه بالمزايدة وركوب الموجة وامتطاء صهوة الشعارات.

والحقيقة أننا بتنا في زمن، نرحب به بمن ينطق بمثل هذه الشعارات ويردد هتافات الشارع، حتى وإن كنا نعلم علم اليقين، بأنه لن يتبع القول بالفعل، طالما أن "المزايدِ عليهم"، لا يفعلون شيئاً، ويفضلون "الصمت دهراً"، وعندما ينطقون يتلفظون "كفراً"... أليس الذي ملأ الدنيا صراخاً وتنديداً أفضل حالاً من الذي انشغل بتفنيد "الفوضى الخلاقة"، يقصد مظاهرات الشارع، وغوغائية الشعارات، يقصد تركيا وإيران وحلفائهما؟

كان يمكن أن نتفهم تماماً ملاحظات هذا الفريق على الموقفين التركي والإيراني، لو أنه تقدم الصفوف دفاعاً عن القدس وتنديداً بالقرار، واتخذ بصمت أو بكثير من الضوضاء والضجيج، لا فرق، سلسلة من الخطوات العملية التي تجعل استمرار ترامب في مسعاه، أمراً متعذراً، لكن أن يلجأ هؤلاء للعمل بقاعدة "لا برحمك ولا بخلي رحمة الله تنزل عليك"، فتلكم ذروة جديدة في الإفلاس السياسي والأخلاقي.

لقد فقد النظام العربي الرسمي، قدرته حتى على التلطي بورقة التوت، بعد أن فقد فاعليته في التصدي للمهام التي نشأ من أجلها ... لقد فقدوا القدرة على "المزايدات اللفظية" في زمن بات فيه "كشف العورات" متطلباً أساسياً لكسب ود واشنطن، والتقرب من إسرائيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النظام العربي ذروة جديدة في التهالك النظام العربي ذروة جديدة في التهالك



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya