«مناطق آمنة» نعم  شريطة أن تكون «توافقية»

«مناطق آمنة» نعم ... شريطة أن تكون «توافقية»

المغرب اليوم -

«مناطق آمنة» نعم  شريطة أن تكون «توافقية»

بقلم : عريب الرنتاوي

منذ أكثر من عامين ونحن ندعو حكومتنا العتيدة، للتفكير جدياً بإطلاق مبادرة “نحو مناطق آمنة توافقية في سوريا” تعمل على استيعاب فائض اللاجئين السوريين الذين لم يتوقف سيلهم عن التدفق (100 ألف لاجئ في مخيمي الركبان وحدلات) إلى جانب مئات ألوف اللاجئين الذين استقروا في مخيمات خاصة أو توزعتهم المدن والقرى والبلدات الأردنية ... لكن أحداً لم يكلف نفسه عناء السؤال، حتى لا نقول الاستجابة لهذه الفكرة.

رفضنا مبكراً فكرة المناطق الآمنة المفروضة على النظام، والتي أريد بها ولها، أن تكون منصات انطلاق لفعل عسكري لاحق يستهدف دمشق، استبعدنا الفكرة نظراً لـ “عدم واقعيتها”، وآثرنا عليها فكرة “المناطق التوافقية” التي يمكننا العمل على تمريرها باستخدام ما لدينا من “دالّة” على فصائل الجبهة الجنوبية من جهة، وبالنظر لقنواتنا المفتوحة والسالكة – بصعوبة – مع دمشق من جهة ثانية، وعرضنا لفكرتين متلازمتين وضروريتين لإخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ:

الأولى؛ عرض القيام بوساطة بين المجموعات المسلحة – غير المصنفة إرهابية – من جهة والنظام من جهة ثانية، للوصول إلى مصالحات وتفاهمات، تسمح بإقامة مثل هذه المناطق، بعيداً عن استهداف المسلحين والمتحاربين، وتقلل من الاعتمادية على “قوى الخارج” لتوفير شبكة أمان لها، كما تقتضي الحال مع “المناطق الآمنة المفروضة قسراً”، فضلاً عن أنها تغنينا عن المجازفة بالتورط ميدانياً في تلافيف الأزمة السورية ودهاليزها، مما نحن في غنى عنه في مطلق الأحوال ومختلف الظروف.

والثانية؛ اللجوء إلى موسكو، خصوصاً بعد أيلول 2015، للقيام بدور في تذليل أي عقبات قد تعترض المشروع، والمساهمة في تقديم ضمانات وتطمينات، ولعب دور في توفير الأمن والحماية لهذه المناطق.

أي من هذه الأفكار لم يجر العمل به أو الالتفات إليه ... إلى أن جاء ترامب وإدارته الجديدة، بمشروع منطقتين آمنتين، الأولى شمالاً بحماية تركية والثانية جنوباً بحماية أردنية ... لا ندري حتى الآن اي تفاصيل إضافية حول هذا المشروع، لكننا نعرف أن ترامب يريد العمل سوية مع الكرملين (القناة الروسية التي تحدثنا عنها)، ويضع ضرب داعش على رأس أولوياته وليس إسقاط النظام أو الإطاحة بالأسد، ما يبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية “التوافق” مع النظام حول هذه المناطق، إن بذلت جهوداً مخلصة لتحقيق هذا الغرض.

دبلوماسيون غربيون، شككوا في إمكانية قبول الأسد في دمشق، أو بوتين في الكرملين، بفكرة “المناطق الآمنة التوافقية”، يومها كان ردنا أن أمراً كهذا، إن حصل على نحو “توافقي” سيكون في مصلحة كل من روسيا وسوريا، ولا يوجد أي سبب يمنع قبولهما بهذه الفكرة، إن ظلت في الإطار الإنساني غير المفخخ بالنوايا الخبيئة والخبيثة، التي ميزت مواقف دول عربية وإقليمية ودولية عديدة، وهي تتناول “البعد الإنساني” للأزمة السورية... ولقد كنّا في ذلك نصدر عن معطيات توافرت لنا من اتصالاتنا مع مقربين من دمشق، ودبلوماسيين روس، كان جوابهم: نحن بانتظار أن يطلب الأردن ذلك.

دمشق ردت على الموقف الأمريكي بالقول: “لا مناطق آمنة إلا بالتنسيق مع القيادة السورية وقبولها” .... وموسكو أعربت عن انفتاحها على الفكرة الأمريكية المستجدة، شريطة أن تكون منسقة مع دمشق... بمعنى أو بآخر، أن نصف الطريق نحو بناء توافق إقليمي دولي حول هذا المشروع قد قطعت، ويبقى النصف الثاني المتمثل في جلوس مختلف الأطراف ذات الصلة، حول مائدة واحدة للتنسيق والتشاور، توطئة للانتقال إلى الميدان.

للأردن مصلحة عميقة وقديمة في إقامة مناطق آمنة في جنوب سوريا، تأخرنا في طرحها وإثارتها وتحريكها على أوسع نطاق ... والأردن أطلق أكثر من إشارة دالة على “قنواته المفتوحة” مع النظام في دمشق، وهو لا يخفي علاقاته الحسنة مع فصائل الجبهة الجنوبية وبعض القوى العشائرية السورية، والعلاقة الأردنية مع موسكو في أحسن أحوالها، ويجمع البلدين مع واشنطن، قاسم مشترك أعظم: أولوية الحرب على الإرهاب واستئصال داعش ... والأردن متخوف من عملية “بناء القوة” التي تجريها “دولة داعش الإسلامية”، على مقربة من حدوده الشمالية والشمالية الشرقية، وفي عمق البادية السورية (تدمر) وعلى المثلث الحدودي مع العراق (القائم، عانة وراوة) وعلى مقربة من درعا (قوات خالد بن الوليد) ومقاتلي جبة النصرة التي لا تكف عن تغيير اسمها، من دون أن تغير في عقيدتها أو في ارتباطاتها الجهادية الكونية.

كل هذه الأسباب، تدفعنا للتذكير بفكرة “المناطق الآمنة التوافقية” التي يبدو أن العالم يتجه للتوافق حولها، وهي انتقلت إلى حيز التنفيذ على أي حال في الشمال، بعد التقارب الروسي – التركي، ولا ينقصها سوى جذب المزيد من المؤيدين والداعمين لها، وهذا ما قد يحصل في قادمات الأيام.

علينا أن نخرج عن تحفظاتنا المبالغ بها، وأن نكف عن “مراعاة” مواقف بعض الأشقاء بأكثر مما ينبغي، فما نواجه من تهديد لأمننا واستقرارنا على الجبهات الشمالية والشمالية الشرقية، أهم من أن يخضع لقواعد “المجاملة” و”المراعاة”، وعلينا أن نكون مبادرين واقتحاميين عند التعامل مع هذا الملف، فالوقت ليس في صالحنا، ولدينا من مشاكل الداخل ما يكفينا ويغنينا عن استقبال المزيد من مشاكل الخارج.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مناطق آمنة» نعم  شريطة أن تكون «توافقية» «مناطق آمنة» نعم  شريطة أن تكون «توافقية»



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya