رحلة قادة المعارضة السورية من الســيـاســـة إلــى «التأريـخ»

رحلة قادة المعارضة السورية من الســيـاســـة إلــى «التأريـخ»

المغرب اليوم -

رحلة قادة المعارضة السورية من الســيـاســـة إلــى «التأريـخ»

بقلم - عريب الرنتاوي

بنت المعارضات السورية خطابها على جملة من الفرضيات، جرى اختبارها جميعها خلال سنيّ الأزمة السبع، وخابت جميعها ... لكن قادة المعارضة يميلون إلى المكابرة وكيل الاتهامات لأصدقائهم قبل خصومهم، بدل إجراء وقفات مراجعة عميقة، وتقديم جردة “نقد ذاتي” للخطاب والممارسات والرهانات والتحالفات والشعارات إلى غير ما هنالك ... يشعر المرء وهو يتابع ما يقوله ويكتبه هؤلاء، بأننا أمام موجة “المؤرخين” لا السياسيين والقادة الثوريين، خطابهم ماضوي بامتياز، وسرديتهم لم تعد قادرة على مواكبة الجديد الناشئ في سوريا والمنطقة والعالم.
الفرضية الأولى: التدخل العسكري الدولي، فيما يشبه إعادة انتاج لسيناريو بغداد وكوسوفو ... لم يكل هؤلاء القادة عن انتظار واستدعاء واستجداء التدخل العسكري لحسم الأزمة منذ بواكيرها الأولى ... فرسان المجلس الوطني في حينه، ومنذ العام 2011، كانوا على أتم اليقين بأن التدخل آت لا ريب، ومعه تتضاءل أهمية “وحدة المعارضة” وتتآكل أهمية الاعتماد على الذات والطاقات الشعبية، وتصغر قيمة البرامج والشعارات والتخطيط التكتيكي والاستراتيجي ... كانوا يتطلعون بشوق لامتطاء صهوة الدبابات الأطلسية في طريقها من جنوب تركيا إلى قلب دمشق، لم يمت هذا الحلم في أنفسهم، وكان يخبو قليلاً ليستيقظ من جديد على وقع تطور درامي هنا أو تصريح ناري هناك ... هم آخر من يفكر في موقع بلادهم الجيو-سياسي وخريطة تحالفات نظامهم، وأجندات أصدقائهم، عرباً وإقليميين ودوليين، إلى أن فقدوا كل شيء سوى البكائيات واللطميات المفعمة بإحساس الغدر والخذلان والترك والنسيان.
الفرضية الثانية: الاعتقاد الجازم بأن النظام من الهشاشة بحيث لن يصمد طويلاً أمام ضربات المعارضة السياسية والعسكرية، ومن خلفها أطواق الحصار السياسي والدبلوماسي والإعلامي ... ورغم محاولاتهم وحلفائهم المتكررة لترتيب انشقاقات ذات مغزى في جسم النظام، إلا أنهم ظلوا على رهانهم بقرب تهاوي القلعة من الداخل ... مضت الأشهر والسنوات، ولم يتخلخل النظام أو يتفكك، ولم تسجل حالات انشقاق وازنة، لا سياسية ولا أمنية وعسكرية ... تفسيرهم السطحي لتماسك النظام، ورده إلى “القبضة الأمنية” الشريرة، كان قاصراً، فقد أتى زمن لم يكن فيه النظام يسيطر على دمشق ذاتها، ولكن مع ذلك لم نر ما رأيناه من حالات تمرد جماعي ضد أنظمة مماثلة في مصر وتونس زمن مبارك وبن علي أو في ليبيا القذافي، او حتى في زمن صدام حسين.
الفرضية الثالثة: الرهان على حكومات ومخابرات عربية وإقليمية، بلغ التعاون معها حد التورط من الرأس حتى أخمص القدمين، ليكتشف هؤلاء، وليس بعد طول وقت، أن لهذه الأطراف أجنداتها التي لا تلتقي إلا بالشكل مع أجندة الشعب السوري، وأنها تفضل أن ترى سوريا تحت ظلال الإخوان والسلفيين، على أن تراها تتقدم على طريق الحرية والتعددية والديمقراطية والحياة الكريمة.
الفرضية الرابعة: الرهان على إمكانية توظيف “الجماعات السلفية والجهادية”، بمن فيها جبهة النصرة في المعركة ضد النظام ... بدأت الحكاية بإنكار وجود مثل هذه الجماعات، ثم التقليل من شأنها ووزنها، ثم التمييز بين إرهاب جيد وآخر قبيح، ثم الدفاع عن جبهة النصرة، علنا وبالفم الملآن، قبل أن يستيقظ القوم على واقع أن العالم بأسره يتحول إلى أن يصبح جبهة متراصة ضد هذه القوى، وأن الحرب على الإرهاب، باتت الرقم الأول والأخير في حسابات القوى الفاعلة في سوريا، هذا الرهان الخائب ما زال ماثلاً، وإن اتخذ أشكالاً وصيغاً مواربة.
ما أن تتحدث أو تستمع إلى أحد من قادة المعارضة حتى يبادر للقول: بأن ثورة الشعب السوري بدأت سلمية، هذا صحيح، ولكن الأمر لم يستمر طويلاً، ولم يعد مهماً الآن السؤال عمن بادر إلى عسكرتها، إذ حتى بفرض أن النظام هو من فعل ذلك، فإن استجابة المعارضة وانجرارها إلى ملعب النظام، كان خطأ لا يغتفر.... الذين راهنوا على التدخل الأطلسي في سوريا، هم أنفسهم الذين استعجلوا “العسكرة”، فهذا الرهان جزء من ذاك، وكلاهما قاد إلى الحصاد المر للأزمة السورية.
يقولون إن النظام عمل على “دعشنة” المعارضة، ووضعها جميعها في قالب إرهابي واحد، وهذا صحيح تماماً، ولكن ماذا فعلت المعارضة للتصدي للجماعات الإرهابية، ولتمييز نفسها عنها ولو من باب أضعف الإيمان، مثل هذا الأمر لم يحدث، والمعارضة باستمرائها “حالة الإنكار”، ومن ثم دفاعها المستميت عن بعض فصائل السلفية الجهادية الوازنة، تتحمل مسؤولية كبرى عن تفشي الأصولية الدينية في صفوفها واصطباغ معظم إن لم نقل جميع فصائلها المسلحة، بصبغة جهادية أصولية مثيرة للشكوك والريبة والقلق.
يقولون إن النظام كان قبل أيلول 2015، قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وهذا صحيح وباعتراف روسي صريح، ولكن من قال إنه من الجائز إسقاط دور الحلفاء والأصدقاء في حسابات أي معركة أو حرب... إسرائيل بجبروتها كانت قاب قوسين أو أدنى من هزيمة ماحقة في حرب أكتوبر 1973 لولا الجسر الجوي الأمريكي، هل كان يتعين إسقاط أثر الولايات المتحدة ودورها في حروب إسرائيل وتفوقها العسكري النوعي على العرب؟
لكن ما تستنكف المعارضات عن البوح به، تصريحاً وتلميحاً، هو من هي القوى التي كانت ستسقط النظام، وهل سقوطه كان يعني انتصارها، وهل تنتصر المعارضة بانتصار النصرة وداعش وجيش الإسلام وأحرار الشام؟ ... هل لهذا انتفض الشعب السوري، وهل هذه هي شعارات ومطالب حراكه السلمي؟
يقولون، بعد كل الانقلابات التي حدثت في المشهد السوري، أن تحولات واشنطن وباريس وبرلين ولندن ونيويورك وأنقرة والرياض وعمان لا تعنينا، وأن الثورة، ثورة الشعب السوري مستمرة ... ما الذي يعني هؤلاء إذن، إن كانت مواقف الدنيا بأسرها لا تعنيهم؟ ... ثم أين هي ثورة الشعب السوري التي يؤكدون استمرارها ويبشرون بانتصارها؟ ... لم نر خلال السنوات القليلة الفائتة تحركات جماهيرية فاقت احتفالات الشعب بتعادل منتخبه مع المنتخب الإيراني في تصفيات كأس العالم، أو احتفالاته بفك حصار دير الزور، أما في مناطق المعارضة، فلم نر تظاهرات غير تلك التي خرجت تندد بحكم النصرة وهيمنتها .... أين هي ثورة الشعب السوري المستمرة، فيما المعارك الوحيدة المحتدمة الآن في سوريا تدور على جبهة استئصال داعش، وفيما مناطق خفض التصعيد تحيل الفصائل المسلحة إلى شرطة بلدية، أو لاجئين لدى دول الجوار، أما النصرة فتنتظرها سيناريوهات أقلها “المحرقة” على يد ائتلاف التحالفين، الدولي بقيادة واشنطن و”الممانع” بقيادة روسيا.
ستيفان ديمستورا قال إن على المعارضة الاعتراف بانها لم تكسب الحرب، قامت الدنيا عليه ولم تقعد، وعلت المطالبات للأمين العام بتنحيته، لكن أحداً لم يجرؤ على القول أن المعارضة كسبت الحرب، يريدون رهاناً مفتوحاً، وحرباً لا تضع أوزارها أبداً، على أمل كسب الحرب يوماً ما، ومن دون أي تغيير لا في السياسات والرهانات ولا في التحالفات ولا في أدوات الكفاح، ولا في الوجوه والشخصيات التي ثبت فشلها الذريع في قيادة المعارضة وكسب ثقة شعبها ... إنهم يسلكون الطريق ذاته ويتوقعون الوصول إلى نهايات مغايرة ... لو أن هذه المعارضة من طينة أخرى، غير طينة النظام الذي قاتلته، والأنظمة القائمة عموماً في المنطقة، أنظمة التمديد والتجديد والتوريث، لخجلت على نفسها، وأقدمت على التنحي بدل مطالبة الآخرين به، مفسحة المجال أما الشعب السوري ليختار بدائله ويحدد خياراته بالطريقة التي يرتئيها هو، وليس كما تقرر في “غرف العمليات” ، ودائماً خلف الأبواب الموصدة بإحكام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة قادة المعارضة السورية من الســيـاســـة إلــى «التأريـخ» رحلة قادة المعارضة السورية من الســيـاســـة إلــى «التأريـخ»



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya