«أم المعارك» التي لم تقع بعد

«أم المعارك» التي لم تقع بعد

المغرب اليوم -

«أم المعارك» التي لم تقع بعد

بقلم : عريب الرنتاوي

استحقت “معركة حلب” أن يطلق عليها “أم المعارك”، حتى الآن على الأقل، لا بكثافة المواجهات التي دارت فيها ولا بكثافة القوات التي احتشدت على خطوط التماس من الفريقين، بل لكون حلب ثاني أكبر مدينة، والعاصمة الاقتصادية الأولى لسوريا … أما “أم المعارك الحقيقية” بالمعنى العسكري والقتالي، فلم تأت بعد، وستكون محافظة إدلب هي المنافس الأول لمحافظة الرقة على حمل هذه التسمية.

مبكراً، جعلت “جبهة النصرة” من إدلب مقراً لإماراتها الإسلامية غير المعلنة رسمياً، ولطالما دار في خلد “أبو محمد الجولاني” أن يقيم فيها إمارته الإسلامية من هناك، لكن حسابات التكتيك السياسي/ الأمني، ومقتضيات التحالف مع الفصائل الإسلامية الأخرى، وضغوط المانحين و”نصائحهم المخلصة”، دفعته للتريث وإعادة التفكير أكثر من مرة، قبل الإقدام على مجازفة من هذا النوع.

وإدلب على مدى العامين الفائتين، تحولت إلى مركز استقطاب لكل الهاربين من جحيم الحرب والحصار من مدن وجبهات عدة على امتداد الأرض السورية، حيث توجهت إليها “النواة الصلبة” من المقاتلين المدججين بالفكر السلفي – الجهادي، والمقاتلين الأجانب، وبعض من قارف أكثر الأعمال عنفاً ووحشية من المقاتلين السوريين، ممن خشوا أن تؤول بهم التسويات و”المصالحات المحلية” إلى أبشع المصائر … هذا الخليط من المقاتلين الأشداء واليائسين، لم يجد سوى إدلب ملاذاً يؤوي إليه، فيما الأقل تورطاً بالعنف والإيديولوجيا من السوريين، بقي في موقعه، مشمولاً بـ “العفو الرئاسي” ووعود تسوية الأوضاع بعد إلقاء السلاح.

كل من خرج من الغوطتين وأرياف دمشق الجنوبية وحمص وداريا والمعظمية وخان الشيخ والتل، وغيرها كثير من المناطق وخطوط التماس، توجه إلى إدلب، وغالباً مع عائلته … لا ندري كم يبلغ اليوم عدد سكان المحافظة التي قاربت على المليون ونصف المليون قبل اندلاع الأزمة السورية، تستحوذ إدلب المدينة، عاصمة إدلب المحافظة، على عشرة بالمائة من سكانها، وهي وإن كانت ذات غالبية عربية سنية، إلا أنها شأن معظم المحافظات السورية، تتوفر على تعددية دينية وإثنية ملفتة، فيها من المسيحيين والدروز والعلويين والشيعة (كفريا والفوعة المحاصرتين) وفيها من الأكراد والتركمان.

لإدلب فوق هذا وذاك، مكانة استراتيجية، فالمحافظة التي تزيد مساحته عن نصف مساحة لبنان (6100 كيلومتر مربع)، تقع في الجنوب الغربي لحلب، والمسافة بين عاصمتي المحافظتين 60 كيلومتراً فقط، وهي مفتوحة على الحدود مع تركيا لجهة لواء الاسكندرون، وبخط حدودي بطول 130 كم، وفيه يقع “معبر باب الهوى” الشهير، وهي متاخمة لمحافظة اللاذقية بخط طولي يصل إلى 30 كم، وبمحافظة حماة، بخط طولي يصل إلى 160 كم، أي باختصار، فإن إدلب المدينة والمحافظة، تقع في قلب ما أسمي بـ”سوريا المفيدة”، ومن دون بسط سيطرة النظام عليها، ستظل محافظات الشمال والشمال الغربي، مفتوحة على شتى الاحتمالات.

موسكو تنبهت مبكراً، لخطورة عملية بناء القوى التي تقوم بها “جبهة النصرة” على وجه الخصوص في هذه المحافظة، ولذلك لم يتردد السلاح الجوي والفضائي الروسي في استهداف مواقع المسلحين فيها، اعتماداً على معلومات استخبارية تفيد بوجود عناصر أجنبية، بعضها ينتمي لروسيا ودول الاتحاد السوفياتي المنحل فوق هذه المناطق… الولايات المتحدة أيضاَ وجهت ضربات منتقاة للنصرة هناك … وللصين أيضاَ اهتمام خاص بإدلب، دفعت ببكين لإرسال موفدين رفيعي المستوى إلى دمشق، والالتزام بتقديم دعم عسكري للجيش السوري، حيث تتميز بعض بلدات هذه المحافظة، بتواجد كثيف للمقاتلين من الأقلية المسلمة الصينية (الأيغور) يتمركزون أساساً في جسر الشغور وجبل الزاوية وأريحا، ويقدر عددهم ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل، يصطحبون معهم حوالي خمسة آلاف من أفراد عائلاتهم، ويقطنون في القرى العلوية المهجورة، ويتوزعون ما بين جبهة النصرة والاتحاد الإسلامي التركماني، الشقيقتان التوأم في الفكر والممارسة.

وإلى جانب هذه القوى “الجهادية”، تحتفظ حركة أحرار الشام، بخليطها الجهادي – الإخواني، بنفوذ عسكري قوي في المدينة والمحافظة، ومن ضمن إطار ما يعرف بـ “جيش الفتح”، الذي يضم أيضاً مجاميع ووحدات عسكرية من بقايا الجيش الحر.

خطوط إمداد الفصائل المسلحة في المحافظة متصلة مع “العمق الاستراتيجي” التركي، بخلاف حال بعض الجبهات والمحاور المقطّعة أوصالها، وهو أمر يجعل من أي محاولة لفرض حصار عليها، شبيه بحصار حلب الشرقية أو الغوطتين، مهمة صعبة للغاية، والمؤكد أن هذه الفصائل تتوفر على بنى تحتية ومستودعات ذخيرة وسلاح وخزان بشري، ما يجعل مهمة الحسم العسكري معها أمراً أشد صعوبة.

قد لا تكون هناك “مشكلة وجودية” مع مقاتلي أحرار الشام وعناصر الجيش الحر، لكن على الأرجح فأن ألوف المقاتلين والجهاديين، الأجانب بخاصة، سيخوضون في إدلب معركتهم الأخيرة، فظهروهم إلى جدار، والداعمون والرعاة الإقليميون، الذين سهّلوا طريق دخلوهم إلى سوريا، لن يكونوا أبداً بوارد استقبالهم أو استضافتهم من جديد، أو حتى تسهيل مهمة عودتهم إلى أوطانهم أو وصولهم إلى وجهة ثالثة، إذ حتى بلدانهم الأصلية، لن تكون سعيدة أبداً بعودتهم أحياء إلى مدنهم وقراهم التي خرجوا منها … البحر من ورائهم والعدو من أمامهم، ولن يتبقى لهم سوى إحدى الحسنيين: “الشهادة أو الشهادة”

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أم المعارك» التي لم تقع بعد «أم المعارك» التي لم تقع بعد



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya