هل يسترجع الرئيس غزة، أو سيفقد ما تبقى له من الضفة

هل يسترجع الرئيس غزة، أو سيفقد ما تبقى له من الضفة؟

المغرب اليوم -

هل يسترجع الرئيس غزة، أو سيفقد ما تبقى له من الضفة

بقلم : عريب الرنتاوي

ثمة اعتقاد رائج بين المراقبين الفلسطينيين مفاده أن فتح ستخسر الضفة الغربية وتربح قطاع غزة في أول انتخابات حرة ونزيهة، وأن حماس ستخسر القطاع وتربح الضفة الغربية في المقابل ... لا أدري مدى ملاءمة هذه النظرية مع الاتجاهات الواقعية للرأي العام الفلسطيني، بيد أنني أعتقد أن لها جذراً في استطلاعات الرأي العام، والمزاج الشعبي” الذي يهيمن على جناحي الوطن المحتل والمحاصر.

وإن ذهب الرئيس عباس في مسعاه لإخضاع حماس وإعادتها لبيت الطاعة، وأقدم على تنفيذ سلسلة الإجراءات التي توعد بتطبيقها إن فشل المسعى الأخير لاسترداد القطاع، وبما يتخطى “سلسلة الرتب والرواتب” المعمول بها منذ اليوم الاول للانقسام، فليس مستبعداً أبداً، أن يخسر الرئيس ومن ورائه فتح والحركة الوطنية الفلسطينية، الضفة والقطاع معاً، فلا يكون استرد القطاع، ولا حفظ الضفة الغربية في الوقت ذاته.

ذلك أن الفصل بين حماس والقطاع، بات عملية شديدة الصعوبة والتعقيد، وهي معضلة واجهت إسرائيل وفشلت في حلها ... إذ من دون التورط في “فرض عقوبات جماعية” على أهل القطاع، يصعب الذهاب حتى نهاية الشوط في معاقبة حماس ... إسرائيل امتهنت سياسة العقوبات الجماعية، من دون حسيب أو رقيب، ومن دون رادع أو وازع، فهل سيكون بمقدور أي جهة فلسطينية أن تحذو حذو “عدوها”، وأن تستلهم منه بعض أدواته ووسائله ؟

لا أحد يريد للوضع الشاذ في قطاع غزة أن يستمر، ولكن بعد عشرية عجفاء من السنين، تتذكر القيادة الفلسطينية اليوم، أنه يتعين عليها العمل بكثافة وغلظة لبسط “شرعيتها” على حماس والقطاع، تحت طائلة إعلانه “إقليماً متمرداً” أو إعلان حماس، حركة انقلابية، وربما “إرهابية”، ومن ثم البناء على الشيء مقتضاه، فيما خص المخاطبات الرسمية العربية والإقليمية والدولية، وهذا سيدخل المشهد الفلسطيني الممزق، في دوامة جديدة من الصراع والمواجهة لا نهاية لها ولا طائل من ورائها، والمنتصر فيها مهزوم بالضرورة.

والحقيقة أن المراقب يحار في فهم محركات التوجه الفلسطيني الجديد ودوافعه ... نعرف أن هناك ضائقة اقتصادية ومالية، ونعرف أن حمل القطاع ثقيل بوجود عشرات ألوف الموظفين والمتقاعدين، من الذين ألحقتهم حماس بركب الوظيفة العامة، وهم أزيد من أربعين ألفاً، أو من الذين طُلِبَ إليها أن يبقوا في بيوتهم، وأن يقاطعوا المؤسسات التي عملوا بها، بعد سيطرة حماس عليها ... هذا وضع كارثي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً، بيد أن الحل لن يكون بالإسراع في ضم هذه الجيوش من الموظفين والعاملين، إلى مستنقع الفقر والفاقة، ودفعهم دفعاً للتخندق خلف حماس، وربما من هم أكثر تشدداً من حماس، من حركات الإسلام السياسي والعنيف، التي تحتفظ بنفوذ لها في القطاع المجوّع والمحاصر.

ونعرف أن هناك ضغوطاً من مجتمع المانحين، بتقليص “الأموال المهدورة” على موظفين لا يفعلون شيئاً غير الجلوس في منازلهم، ولكن هناك أيضاً معلومات عن ضغوط لوقف رواتب أسر الأسرى والشهداء، بل وإعادة صياغة “السرديات” الفلسطينية التي أحاطت هذه الفئة من المناضلين، بهالة من القدسية، رفعتهم إلى مستوى الأيقونات، فهل سنخضع لهذا وتلك من الضغوطات، وما الذي سيتبقى لفتح والسلطة والمنظمة، بعد ذلك؟

نعرف كذلك، أن ثمة حركة نشطة، تستهدف إحياء مسار التفاوض على الحل السياسي للمسألة الفلسطينية، وأن إدارة ترامب، ماضية في طريقها لإنفاذ صيغة من صيغ الحل الإقليمي للقضية ... لكننا نعرف أن هذه الإدارة من بين من سبقها من إدارات، هي الأكثر تطرفاً في انحيازها لليمين الديني والقومي في إسرائيل، وأن كان محركها للبحث عن حل لقضية فلسطين، لا يختلف عن محركات من سبقها: جمع العرب تحت لواء محاربة إيران، مثلما تم جمعهم في حفر الباطن في العامين 1990-1991ضد نظام الرئيس صدام حسين، مقابل جائزة ترضية (مؤتمر مدريد)، وضد النظام ذاته في 2003، مقابل جائرة ترضية أقل (خريطة الطريق)... قدم العرب ما عليهم من التزامات تجاه واشنطن في الحربين، وضل مدريد طريقه، وتبددت الخريطة بكل استحقاقاتها، وأعادت إسرائيل احتلال الضفة من جديد... ولا شيء يدعو للاعتقاد بأن قادمات الأيام مع إدارة ترامب، ستحمل مصائر مغايرة للفلسطينيين وقضيتهم الوطنية.

كان يمكن للرئيس عباس أن يذهب بعيداً في مسار الحسم والتصعيد مع حماس، لو أنه ملأ يديه بوعود صلبة من إدارة ترامب وحلفائها ، بأن الاستيطان سيتوقف نهائياً، والدولة على مرمى حجر ... لكن الرئيس عباس نفسه، هو أكثر العالمين، بأن المسار الذي يطلب إليه الالتحاق به، ومن دون شروط مسبقة، هو مسار مفخخ بالوعود الناقصة والكاذبة، وأن ليس لديه ما بمقدوره أن يعد به شعبه، سوى التمنيات والرهانات (اقرأ الأوهام)، فكيف سيكون عليه حاله، إن ذهب حتى آخر الشوط في معركته مع حماس، واستتباعاً القطاع، من دون أن يسجل أي نجاح يذكر في معركة الحرية والاستقلال مع إسرائيل؟

ونخشى أن يكون الرئيس واركان السلطة، تشجعوا بـ “المزاج العام” الذي يحكم كثيرا من العواصم العربية والغربية (والشرقية بالمناسبة)، المناهض للإسلام السياسي (الإخواني بخاصة)، والمعادي بشدة لإيران وحلفائها في كل ساحة تتوافر فيها على قدر من التأثير والنفوذ... وربما يكونون أجروا حسابات مفادها، أن اللحظة قد باتت مواتية لتصفية حساب قديم – جديد مع الحركة، مثل هذه المقاربة، وفي الحالة الفلسطينية على وجه الخصوص، تعتبرالوصفة الأقصر للخراب، ثم أن حماس و”المعسكر الآخر” المؤلف من خليط غير متجانس من القوى والعواصم، تبدأ بالدوحة ولا تنتهي بأنقرة وطهران والضاحية الجنوبية، ولكل منها حسابات ومصالح مغايرة للأخرى، لن تقف مكتوفة الأيدي حيال عمليات خنق حماس أو إعلانها فصيلاً مارقاً، أو إعلان القطاع تحت قيادتها، “إقليماً متمرداً” ... يجب التريث عند إجراء الحساب، وثمة طرق أخرى لإنهاء ملف الانقسام، مدخلها الأول والأخير، التوافق والتدرج والاستعداد لتقديم تنازلات مؤلمة للآخر في الوطن، بدل الاكتفاء بتقديم التنازلات للآخر من خارجه، وهذا ينطبق على فتح وحماس، وبالقدر ذاته ... فلغة الحسم، والغالب والمغلوب، لم تجد في غير ساحة عربية، فما بالك والساحة الفلسطينية ترزح برمتها تحت الاحتلال والحصار، وتتهددها الطائرات والمدافع والأنياب الفولاذية الحادة لجرافات الاستيطان الإسرائيلية.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يسترجع الرئيس غزة، أو سيفقد ما تبقى له من الضفة هل يسترجع الرئيس غزة، أو سيفقد ما تبقى له من الضفة



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya