بوتين واليمين الشعبوي قصة «العشق الممنوع»

بوتين واليمين الشعبوي: قصة «العشق الممنوع»

المغرب اليوم -

بوتين واليمين الشعبوي قصة «العشق الممنوع»

بقلم : عريب الرنتاوي

من دونالد ترامب إلى ماري لوبان، تبدو علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باليمين الشعبوي في الغرب، أقرب ما تكون إلى “قصة العشق” ... ترامب لم يكف قبل الرئاسة وبعدها عن إبداء الإعجاب بشخصية “القيصر” وقيادته ورؤيته للعالم، وماري لوبن، ومن الكرملين بالذات، تبدي انبهارها برؤية الزعيم الروسي للعالم، فما السر وراء “قصة الحب المتبادل” هذه، وما الذي يراه كل فريق في الفريق الآخر؟

القلق من جماعات الإسلام السياسي، العنفية منها وغير العنفية، يُعد أحد القواسم المشتركة بين الفريقين ... بوتين يخشى على انتقال عدوى التطرف والإرهاب و”الانفصال” إلى ثمانية وعشرين مليون مسلم روسي، فضلاً عن الحزام الإسلامي المحاذي لروسيا في “الأوراسيا” ووسط آسيا ... فيما “الإسلاموفوبيا” هي القوة المحركة لليمين الشعوبي المتطرف في الغرب، والذي نجح في تعزيز نفوذه وحضوره في السنوات الأخيرة، على وقع موجات الهجرة واللجوء المتعاقبة، ومع تنامي التهديد الإرهابي للغرب، وهو في مجمله تهديد متدثر بإيديولوجيا إسلاموية.

القاسم المشترك الثاني، ويتمثل في الاستخفاف المتبادل الذي يبديه الجانبان حيال قضايا “حقوق الإنسان” و”التحول الديمقراطي”، بوصفها معياراً وشرطاً في تحديد شكل ومحتوى العلاقات الدولية، ودائماً تحت ستار “احترام سيادة الدول والحكومات”، حتى المتسلطة منها ... ترامب دفع إلى الخلف بكل هذه الاعتبارات في علاقاته الدولية، وكذا يفعل اليمين الشعوبي في أوروبا، الذي يؤمن بأن “الديكتاتوريات” قادرة على حفظ الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما “الانتقال الديمقراطي” سيدخل المنطقة في حالة فوضى غير مرغوبة، كما تبدّى في السنوات الست الفائتة ... بوتين من جانبه، وروسيا عموماً، لم تشتهر باحترامها هذا المعيار في علاقاتها الدولية، بل وميلها لتفضيل التعامل مع أنظمة “الحزب الواحد” و”القائد الضرورة” على التعامل مع دول ومجتمعات محكومة بقواعد ديمقراطية وهوامش واسعة للتعددية وحرية الرأي والتعبير والتنظيم.

ملف حقوق الانسان والديمقراطية، من بين ملفات أخرى بالطبع، كانت سبباً رئيساً في تفكيك الاتحاد السوفياتي القديم، ومدخلاً لا يقدر بثمن لمحاولات الاختراقات الغربية للستار الحديدي المضروب حول جمهوريات الاتحاد ... وهو لا يزال سلاحاً فعالاً في مواجهة روسيا، وخط تماس لم يهدأ قط بين الغرب والاتحاد الروسي، وعندما تأتي زعامات يمينية شعوبية، لتلقي هذا السلاح جانباً، فهذا من دون شك، خبر جيد لقادة الكرملين.

القاسم المشترك الثالث، ويتعلق بضيق اليمين الشعوبي بـ “العولمة” و”التبادلات الحرة والمفتوحة” و”المواطنة العالمية” وتفضيله العودة لأنماط من الحمائية الاقتصادية والتجارية، ورفضه لمعظم إن لم نقل جميع اتفاقات التجارة الحرة، وجنوحه لاستنهاض “الهويات القومية”، حتى وإن تم ذلك على حساب “وحدات” و”اتحادات” راسخة، كما هو الحال في تجربة الاتحاد الأوروبي، حيث يلتقي ترامب مع لوبين وفيلدرز ونايجل فاراج، على ضرورة التخلص من تجربة الاتحاد والانسحاب من فضاء “منطقة اليورو”، والعودة بتاريخ القارة العجوز ستين عاماً إلى الوراء ... فهل ثمة أخبار أحسن من هذه تسقط برداً وسلاماً على سيد الكرملين، سيما إن بعض أوساط اليمين الشعبوي، خصوصاً ترامب، لطالما أبدوا ضيقاً بحلف “الناتو” ذاته، ولوحوا بتفكيكه أو إعادة صياغة دوره.

جنوح اليمين الشعبوي، للتخلي عن كثير من الأسلحة في مواجهة روسيا الصاعدة، وتحديداً التوقف عن مشاريع توسيع الأطلسي ونشر قواته على مقربة من الحدود الروسية، و”ضبضبة” ورقة حقوق الانسان، وتفكيك أو إضعاف “الوحدات والأحلاف الكبرى” اقتصادياً وعسكرياً، لا شك أنها ستعطي موسكو ميزة إضافية، هي بأمس الحاجة إليها، وهي تبحث لنفسها عن مكانة متجددة تحت الشمس.

لكن الأخبار السيئة ستظل تطارد المنخرطين في تجربة “العشق الممنوع”، أوروبا والولايات المتحدة (الديمقراطيات الغربية)، تتكشف عن طاقة مقاومة عالية جداً، صحيح أن اليمين نجح في إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن بريطانيا في الأصل، كانت على علاقة إشكالية ملتبسة ومشروطة بهذا الاتحاد، والصحيح كذلك أن الشعب الهولندي لقّن فيلدرز درساً ثميناً، وفرص لوبان في حكم فرنسا مهزوزة للغاية، أقله في الجولة الثانية، فيما يواجه ترامب تحديات جمّة في الداخل الأمريكي، ويلقى مقاومة ضاربة من مختلف مواقع السلطة والقرار في واشنطن، وهي كما هو معروف، لم تكن يوماً بين يدي رجل واحد.

هي لحظة مواتية للقيصر، إذ يتلقى الإشادة والإطراء من بعض قادة الغرب بعد سنوات من الاستهداف والاستعداء، بيد أنه يعرف من دون شك، أن “شهر العسل” مع هؤلاء، قد يكون قصيراً، بل وقصيراً بأكثر مما ينبغي.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين واليمين الشعبوي قصة «العشق الممنوع» بوتين واليمين الشعبوي قصة «العشق الممنوع»



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya