تقرير الكونغرس برسم الحكومة والأجهزة

تقرير الكونغرس... برسم الحكومة والأجهزة

المغرب اليوم -

تقرير الكونغرس برسم الحكومة والأجهزة

بقلم : عريب الرنتاوي

التقرير الهام الذي نشرته أمس الزميلة “الغد” والصادر عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي في شباط/ فبراير الفائت، جاء ليذكرنا بما نعرف عن أربعة آلاف أردني انخرطوا في صفوف داعش في سوريا والعراق منذ العام 2011 (مصادر شبه رسمية قدرت الرقم بأقل من النصف، ومصادر جهادية رفعته إلى ما يقرب من خمسة آلاف وخمسمائة)، ليحتل الأردن بذلك، المكانة الثانية على لائحة الدول المصدرة للدواعش و”المجاهدين” بعد تونس، لا نعرف مَنْ مِنْ هؤلاء قُتل أو عاد أو ما زال في الخندق، ومن منهم من يبحث يائساً عن “مخرج” من الورطة التي وجد نفسه فيها.

يحدثنا التقرير أن معان لا تنفرد بتصدير “المجاهدين”، هم يأتون من مناطق شتى، يذكر إربد والسلط، ولدينا في أدبياتنا معلومات أخرى، عن “بؤر” أخرى للجهاد والجهاديين، بعد أن تحولوا إلى ظاهرة عابرة للمنابت والأصول، تستمد زخمها من الفقر والجوع والبطالة المتفشية واليأس من فرص الإصلاح والتصحيح والاقتصاديين، ومن “التهميش” الذي يتغذى بغياب مفهوم “المواطنة الفاعلة”، مصدر كل الحقوق والواجبات المتساوية بين المواطنين والمواطنين، ويذكرنا التقرير بتآكل الثقة بالمستقبل والمؤسسات والعملية السياسية – الاقتصادية الجارية في بلادنا، من دون أن يغفل عن التعريج على أثر النزاعات والصراعات من حولنا على تفاقم هذه الظاهرة في أوساطنا، من سوريا والعراق إلى “نقل السفارة” وانسداد أفق السلام والاستقرار، ليصل إلى الإقرار بأن علاقات الأردن الخاصة مع الغرب، ومع إسرائيل بعد معاهدة السلام لعام 1994، جعلت منه هدفاً للجماعات الإرهابية المتطرفة.

“التهميش” الذي يتحدث عنه التقرير لا يتعلق بالاقتصاد والبطالة والفقر فحسب، فهو أشار إلى أعداد من بين “الدواعش الأردنيين” من العاملين في القطاع الخاص، ومن ذوي الوظائف، “التهميش” في بعده السياسي والثقافي والقيمي، هو أخطر ما يمكن أن يفضي إلى انفجار جيل بأكمله، “تهميش” مستمد من فراغ العملية السياسية وخوائها، ومن ضعف الثقة بالمؤسسات المنبثقة عنها، ومن الإحساس بـ “اللاجدوى”، المحفّز الأكبر لرحلة هؤلاء الشباب للبحث عن الذات، وإيجاد “معنى” لحياتهم، واختبار قدرتهم على التأثير والتغيير، حتى وإن اضطروا للتدثر بعباءة “الخليفة أبو بكر البغدادي”.

لا جديد في تقرير الكونغرس، فكل ما ورد فيه من سرديات، حفلت به أدبياتنا في هذا المجال، وجرت مناقشتها في العديد من الندوات والمؤتمرات وورش العمل ... نحن نعرف ما يعرفون، لكن ربما “الافرنجي برنجي”، وربما يلفت تقرير الكونغرس كبار المسؤولين في الحكومة والأجهزة الأمنية ومختلف دوائر الدولة ومراكز صنع القرار فيها، إلى ما عجزت كتاباتنا وكتابات غيرنا عن إقناعهم بضرورة الانتقال من “حالة الإنكار” إلى دائرة الفعل الواعي والجاد والدؤوب لتجفيف مصادر هذه الظاهرة، والاستعداد للتعامل مع عواقبها وعقابيلها.

يسهب التقرير في الحديث عن الأردن كشريك نشط وموثوق في الحرب على الإرهاب، ويقدم جردة حساب عن المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية للأردن، فيما لا يخفي واضعوه، تعاطفهم مع الاستمرار في تقديم هذه المساعدات وزيادتها، لكنه مع ذلك لا يخفي قلقه على أمن الأردن واستقراره.

يذكرنا التقرير بما سبق أن سربته صحف إسرائيلية من مقتطفات من محضر لقاء سفيرة الاحتلال في عمان عينات شلاين مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت، والتي تركزت بالأساس حول سيناريوهات الفوضى في الأردن، ومهددات الأمن والاستقرار، تلك التسريبات التي عادت السفيرة لنفيها جراء ردة الفعل الأردنية الغاضبة، لكن لا الغضب الأردني ولا النفي الإسرائيلي، جعلانا نشكك في صحة ما أوردته الصحف من معلومات عن الاجتماع المذكور.

والحقيقة، أن الأوساط الديبلوماسية الغربية في عمان، تتداول في الجلسات المغلقة، وفي الزيارات واللقاءات مع المسؤولين والخبراء والمختصين، بعدد وافر من الأسئلة والتساؤلات، التي تصب في مجملها في مضمون تقرير الكونغرس وتوصياته، وهو أمر تدركه الحكومة والجهات ذات الصلة من دون شك.

ليس من الحكمة أن نستمر في “حالة إنكار” لهذه التحديات وأسبابها، ومن السذاجة الاعتقاد بأن ما قمنا لمحاربة التطرف، يمكن أن يعد “إستراتيجية شاملة” لتحقيق هذه الغاية، ولا يعني الحديث علناً عن هذه المشكلات، أننا نختلقها أو نضخمها، أو نعرض أمن البلاد والعباد للخطر والاستهداف ... نصف الطريق لاجتثاث الإرهاب ومحاربة التطرف، هو الاعتراف بالمشكلة، وتشخيص أسبابها العميقة، والسعي لمعالجتها ... من دون ذلك، نكون كمن يخفي نفايات منزله تحت البساط، بدل أن يلقي بها في سلة القمامة.... ولقد دللت التجربة، إننا إن لم نتحدث عن مشكلاتنا، سنجد الكثيرون ممن سيتحدثون عنها، فأي جدوى من سياسات “الصمت” و”الإنكار”؟

ولقد رأينا في السنة الأخيرة، نكوصاً للوراء في ملف الحريات والمشاركة والتعبير، إذ بدل أن يجري تشجيع الأحزاب والمجتمع المدني والمثقفين والأكاديميين على القيام بأدوارهم، كل من موقعه وبأدواته في الحرب على الإرهاب ومحاربة التطرف، رأينا قرارات المنع الجزافية لكثير من أنشطة هؤلاء الفاعلين، بدواع مثيرة للسخرية أحياناً، وبوسائل لا تليق بنا بعد ثلاثة عقود من استئناف الحياة البرلمانية والحزبية في البلاد، في حين يعلم القاصي والداني، أن المتطرفين والإرهابيين، لا يحتاجون لـ “موافقة المحافظ” على ممارسة أدوارهم التخريبية التي تنخر في صميم مجتمعنا وصلبه ... رأينا غلبة “المقاربة الأمنية” وربما تفردها في معالجة ملف التطرف الإرهاب، علماً أن هذه المهمة، لم تكن ولن تكون، مهمة الحكومة والأجهزة وحدها، بل هوية المجتمع الأردني بأسره، وكل من موقعه وبأدواته أيضاَ.

وهي مناسبة لتذكير الحكومة  بأن الأردن لا يمتلك ترف “مشي الهوينا” على طريق اجتثاث الإرهاب ومحاربة التطرف، ولا يمكن لهذا التحدي أن ينتظر حتى يستكمل الجهاز البيروقراطي الحكومي جاهزيته، فدعونا نذهب إلى تحقيق هذه المهمة، متعددة المسارات، من دون تردد أو وجل، دعونا نجدد ثقتنا بشعبنا وقدرته على التصدي بنفسه لهذه الآفة، بدل الاستمرار بعقلية الوصاية، التي تدعي دائما حصرية المعرفة بما ينفع الناس وما يضرهم، وتميل دائماً للقيام بالمهمة، نيابة عن الناس وبدلاً عنهم... ولنا في الإقليم المشتعل من حولنا، خزان ضخم من الدروس والعبر لمن “ألقى السمع وهو شهيد”.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقرير الكونغرس برسم الحكومة والأجهزة تقرير الكونغرس برسم الحكومة والأجهزة



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya