ظاهرتان فارقتان

ظاهرتان فارقتان

المغرب اليوم -

ظاهرتان فارقتان

بقلم : عريب الرنتاوي

تشهد المنطقة العربية منذ قرابة العقدين من الزمان، ولادة ظاهرتين متلازمين، العلاقة بينهما سببية إلى حد كبير: الأولى؛ تصاعد دور الدول الإقليمية الكبرى وغالباً على حساب المراكز الدولية الكبرى ... والثانية؛ تنامي دور اللاعبين «اللا- دولاتيين/ Non-State Actor»، على نحو غير مسبوق أبداً.
منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك دول «المنظومة الاشتراكية» مطلع العقد الأخير من القرن الفائت، وتراجع دور القطب الدولي الواحد المهيمن بعد تجربة الفشل الأمريكي في حربي أفغانستان والعراق، وتآكل الاهتمام الأمريكي بالمنطقة ... بدا أن القوى الدولية الأخرى، أعجز من أن تملأ فراغ قطبي الحرب الباردة ... وبدا أن قوى إقليمية كبرى، مثل تركيا وإيران مرشحة لأدوار متزايدة تملأ فراغ القطبين، وتسابق القوى الاستعمارية القديمة (الأوروبية) لاحتلال المساحة الواسعة التي تراجع عنها نفوذ موسكو وواشنطن.
حتى عندما قررت موسكو – بوتين، أن تعود للمنطقة، ومن بوابتها السورية الواسعة في العام 2015، ظل هذا الدور محصوراً في سوريا ومقتصراً عليها تقريباً، حتى أنها لم تنجح في أن تكون لاعباً منفرداً أو مهيمناً، فاكتفت في موقع اللاعب الأبرز والأهم على الساحة السورية.
مقابل ذلك، رأينا تمدداً إيرانياً يكاد يغطي مساحة أربع أو خمس دول عربية: اليمن، العراق، سوريا ولبنان وأجزاء من فلسطين ... رأينا دوراً تركياً ممتداً من سوريا إلى ليبيا والصومال وأرجاء مختلفة من القارة الأفريقية وغيرها، وكان يمكن لهذا الدور أن يكون أكثر اتساعاً لو قُدّر لجماعة الإخوان المسلمين التي امتطت صهوة الربيع العربي، وأن تحافظ على بقائها في السلطة بعد أن وصلت إليها لأول مرة منذ تأسيسها قبل تسعة عقود.
سمح الفراغ الدولي في المنطقة، لدول عربية طرفية أن تلعب أدواراً متزايدة على الساحة الإقليمية، سيما بعد أن تم «تحييد» مراكز الثقل العربية التاريخية، مصر بعد كامب ديفيد وبالأخص في سياقات الربيع العربي ... العراق بعد حربي إيران والكويت مروراً بالحصار والعقوبات وانتهاء بسقوط بغداد ودخوله مرحلتي ما بعد صدام حسين، وما بعد داعش ...وسوريا بعد سنوات الحرب العجاف التسع، والتي أعقبت سنوات من العزلة إثر اغتيال الحريري في العام 2005 وبعدها حرب تموز 2006.
بخلاف الوجود الدولي في المنطقة، الذي طالما اعتمد على «القوة المباشرة» أو التحالف مع أنظمة وحكومات وجنرالات وسلالات مدعومة من القوى الاستعمارية القديمة والجديدة، فإن نفوذ الدول الإقليمية، بات يعتمد بشكل خاص على «لاعبين لا-دولاتيين» يرتبطون بالمراكز الإقليمية وعواصمها، ويقومون بالأدوار نيابة عنها، بما فيها الانخراط في حروب الوكالة، كما في مختلف الأزمات العربية، من دون أن يعني ذلك «تنزيه» المراكز الدولية عن التورط في لعبة حروب الوكالة وميليشياتها القذرة.
تظهر الأزمة الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة، وقبلها التوترات المتلاحقة بين تركيا والولايات المتحدة، وتركيا وروسيا الاتحادية، أن ثمة حدوداً متواضعة للمراكز الدولية في تقرير مصائر المنطقة ومستقبلاتها، وأن المراكز الإقليمية الناشئة، لم تعد تأتمر بأوامر «قطبي الحرب الباردة»، أو ترتضي بأقل من علاقة «ندّية» مع المراكز الدولية.
وتظهر الأزمة في الخليج، ومن قبلها في شمال سوريا، وكذا في اليمن وليبيا، أن «اللاعبين اللادولاتيين» باتوا أكثر قوة وتأثيرا من دولهم: في اليمن، الحوثي أقوى من الشرعية... في لبنان، حزب الله أقوى من الدولة والجيش اللبنانيين ... في ليبيا المليشيات أقوى من الحكومة الشرعية وتكاد تبتلعها ... في فلسطين، لا أحد يجادل بأن حماس والجهاد أقوى بأضعاف المرات من السلطة، ولولا الاحتلال و»التنسيق الأمني المرذول» لسقطت الضفة في قبضتهما وليس القطاع وحده .... الحرب السورية كانت مسرحاً لأدوار متعاظمة للمليشيات من شتى المذاهب والولاءات فاقت في كثير من الجبهات دور الجيش السوري ... وفي العراق، بات الحشد الشعبي نداً ومنافساً للجيش والقوى الأمنية الأخرى، إن لم نقل أكثر منها عدداً وعدةً وتجهيزاً وجاهزية.
الزمن الذي كانت فيه القوى الدولية العظمى، تُسقط عروشاً وتزرع حكاماً وتقرر مصائر وترسم مسارات، انتهى ... والزمن الذي كانت في الدولة هي اللاعب المنفرد و»المحتكر الوحيد للسلاح والإعلام والشرعية» انتهى في كثيرٍ من دولنا على الأقل ... ولهذا كله، تبدو صراعات أزمتنا الراهنة أشد تعقيداً وصعوبة من صراعاتنا القديمة، وحلولها أبعد منالاً وأقل احتمالاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرتان فارقتان ظاهرتان فارقتان



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya