جعجعة بلا طحن

جعجعة بلا طحن

المغرب اليوم -

جعجعة بلا طحن

بقلم : عريب الرنتاوي

لا توجد مؤشرات صلبة تدفع للاعتقاد بان «الملاسنات» الإعلامية بين بغداد وأنقرة، ستتطور إلى «حرب إقليمية» كما حذر من ذلك الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي ... بل وليست لدينا ما يكفي من الأسباب للاعتقاد، بأن «حرب الاتهامات المتبادلة» عبر فضاءات الإعلام، ستنتقل قريباً إلى ساحات المواجهة الديبلوماسية المباشرة، كأن ترفع إلى مجلس الأمن الدولي على سبيل المثال، يبدو أن ردود الأفعال العراقية على «الغطرسة» التركية بخصوص الموصل ومعسكر بعشيقة، ترتبط بعوامل داخلية، تتصل بصراعات القوى والأحزاب والطوائف والمذاهب والأقوام العراقية، أكثر من كونها، توطئة لفعل عراقي سياسي أو عسكري منتظر، من دون إغفال دور إيران في التشجيع على اتخاذ مثل هذا المواقف، من ضمن رؤية أوسع للصراع الإقليمي في المنطقة.
بخلاف الإجماع الشيعي على رفض قرار البرلمان التركي تمديد التفويض للقوات التركية العاملة في سوريا والعراق لسنة وأخرى، والمُحتجة على التصريحات الموغلة في مذهبيتها التي أطلقها أردوغان بخصوص عائدية الموصل للسنة من عرب وكرد وتركمان دون غيرهم ... نقول بخلاف هذا الإجماع، لا تبدو مختلف المكونات العراقية متفقة فيما بينها حول الموقف من تركيا، فالسنة تراوح مواقفهم ما بين الصمت والنقد الخجول أو التأييد الصريح للموقف التركي، وكردستان العراق، المنقسمة تاريخياً بين «قطبي» الجوار الإقليمي للعراق، تراوح مواقفها ما بين نقد هذا التدخل والاعتراض عليه (الاتحاد الوطني – السليمانية) من جهة ... وتأييده، وربما استدعائه والتغطية عليه، كما هو حال (الحزب الديمقراطي – أربيل) من جهة ثانية... أما المسيحيون وبقية المكونات «الأقلوية» فتقلقهم الميول المذهبية التركية، بيد أنهم يعيشون بين أكثر من سندان ومطرقة، تجعل مواقفها أقل وزناً وأهمية.
الأطماع التركية في الموصل وكركوك، ليست جديدة، بل يمكن القول إنها عابرة للحقب السياسية التي مرت بها تركيا، من تورغوت أوزال وسليمان ديميريل ومواقفهما التي كشفت المستور من هذا «الطابق»، إلى السيد رجب طيب أردوغان، وحديثه المتجدد عن معاهدة لوزان، وإصراره على دور لتركيا على طاولة البحث في مصير الموصل، وتمسكه بوجوده العسكري «الاحتلالي» في العراق، واستهجان رئيس حكومته للانتقادات الموجهة للوجود العسكري التركي، باعتباره خارج النقاش وغير قابل للتشكيك، لكأننا أمام وحدة من «الهلال الأحمر» التركي، تقوم بمهمة إنسانية مجردة، وليس أمام قوات مسلحة، دخلت البلاد بالضد من إرادة حكومتها التي لا يطعن أحدٌ بشرعيتها.
أما القول، بأن وجود هذه القوات غير قابل للتشكيك أو الجدل، طالما أن العراق منقسم على ذاته، وأن مهمتها حماية «المكون السنّي» في المدينة، فتلكم ذرائع تدين أصحابها والقائمين بها، وستفتح الباب رحباً أمام أي طرف للتعامل مباشرة مع أي مكون تركي، من خلف ظهر أنقرة ومن دون إذن منها، سواء أكانوا أكراداً أم علويين ... مثل هذا الأمر، لن يساعد أبداً في تمكين العراق من الانتصار على الإرهاب، ولا في تشجيع مكوناته على الانخراط في عملية سياسية متوازنة، تعيد إنتاج نظام سياسي جديد، يحترم حقوق العراقيين جميعاً من دون تمييز، أفراداً وجماعات.
تستند الحكومة العراقية في رفضها للوجود العسكري التركي على أراضيها، لكونه لم يأت بطلب منها أو بموافقتها، بل بالضد من إرادتها ورغبتها، في انتهاك صريح للسيادة العراقية، وهذا أمر صحيح، أقله من منظور القانون الدولي، لكن نقطة ضعف «موقف الدولة العراقية» أنه يصدر أولاً عن مجاميع منقسمة على ذاتها، بأولويات مختلفة، منخرطة في صراعات على السلطة والثروة، وبتحالفات إقليمية متناقضة ومتناحرة أحياناً ... كما أن نجاح إيران، ثانياً، في تثبيت مواطئ أقدام صلبة لها على الأرض العراقية، وفي مؤسسات صنع القرار العراقي، أقله بالضد من إرادة نصف العراقيين، يطعن في أطروحة «السيادة» ويقلل من صدقيتها... والمفارقة أن  هذا «المعيار» ينطبق على علاقات بغداد مع واشنطن، التي لا تتصرف كحليف وصديق لحكومة بغداد، بل بوصفها «دولة انتدابية» على بلاد الرافدين، تحت شعار الحرب على الإرهاب، وبذريعة تمكين العراق والعراقيين من الانتصار فيها.
ومن أسباب ضعف «الرواية والموقف الرسميين» العراقيين، ما صدر عن قوات «الحشد الشعبي» من ممارسات، لامست جرائم الحرب، في بعض المدن والنواحي التي أمكن استرجاعها من براثن التنظيم الإرهاب (داعش)، وهي ممارسات، شجعت فئة من العراقيين (بصرف النظر عن حجمها) من العرب والكرد السنة، على طلب العون التركي، ودفعت فئات أوسع من هذه المكونات إلى التزام الصمت أو الحياد حيال السجال الجاري بين بغداد وأنقرة... بل وأعطت «زخماً» للرواية التركية التي تبحث عن مبررات وذرائع، للتمويه والتعمية على أطماعها البائنة في الشمالين، العراقي والسوري.
تركيا العدالة والتنمية، تكشف عن أطماع تاريخية في جنوبها العربي، وتنتظر بفارغ الصبر، تصحيح ما تعتقده خطأ تاريخياً، واسترجاع سلطانها على حواضر الشمال العراقي (الموصل وكركوك) والشمال السوري (حلب وأكنافها)، إن لم يكن بطريقة إلحاقية فظّة ومباشرة، فمن خلال الوكلاء والوسطاء والعملاء والأحزمة الآمنة والأشرطة الحدودية... لكن المؤسف أن بغداد ودمشق، على حد سواء، وإن اختلفت الأسباب والسياقات، تخوضان معركة الوحدة والسيادة، في أصعب ظرف وأدق توقيت، وبأدوات خاسرة وأحصنة ضعيفة للغاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جعجعة بلا طحن جعجعة بلا طحن



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya