«مسلمات» أخرى بحاجة للمراجعة

«مسلمات» أخرى بحاجة للمراجعة

المغرب اليوم -

«مسلمات» أخرى بحاجة للمراجعة

بقلم - عريب الرنتاوي

صورة الأحزاب “الهزيلة”، “المشتتة”، “اللابرامجية” وأحياناً “ذات الأجندات الخارجية”، تكاد تترسخ في أذهان قطاعات عريضة من الرأي العام، بعد أن ظلت عناوين مصاحبة للخطاب الرسمي حيال الأحزاب السياسة الأردنية ... وحيثما تذهب، أو تحل وترتحل في مدن المملكة ومحافظاتها، تكاد تسمع “الأسطوانة” ذاتها تقريباً، والمؤسف أنها ترد على ألسنة حزبيين أحياناً.

مقابل هذه الصورة “الرديئة” عن أحزابنا، ثمة صورة “خيالية” أو “افتراضية”، تقرأها في كتابات البعض وتصريحات البعض الآخر، عن أحزاب ومنظومات حزبية، شديدة التبلور والوضوح، وعن تيارات رئيسة تختصر التعددية وتجسدها، وسط سيولة في الحديث عن ميزة تلك الحزبية التي لا تقابلها سوى رداءة “حزبيتنا”، وغالباً للوصول إلى الاستنتاج المتكرر: أننا غير ناضجين بعد للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحكومات البرلمانية.

وللإمعان في “شيطنة” الأحزاب السياسية الأردنية، يجري دائما وضعها في “تقابل” مع الدولة، وليس مع الحكومة، خصوصاً حين تلوح في الأفق بوادر اعتراض حزبي على سياسات أو إجراءات حكومية، وبالأخص إن صدر هذا الخلاف عن الحركة الإسلامية الأردنية، هنا يجري تصوير الحكومة بوصفها الدولة، واستتباعاً يجري تصوير الأحزاب بوصفها “شلل” من الخارجين عن القانون أو “الملّة” ... إنهم في واد و”الدولة” في واد آخر، بل أنهم يتآمرون على “الدولة” بمواقفهم وأفعالهم، لكأننا أمام كائنات فضائية، غزتنا في غفلة من راداراتنا وأجهزة انذارنا المبكر.

لا يجد مروّجو هذه المسلمة حاجة للإجابة على سؤال: وكيف ننهض بأحزابنا ونستنهض دورها؟ ... وما هي الطريق، أو خريطة الطريق، لانتقالنا من مرحلة “الدكاكين” إلى مرحلة “المولات” في العمل الحزبي، أو من مرحلة الأحزاب المايكروسكوبية إلى مرحلة التيارات الحزبية الوازنة؟ ... هنا يلوذون بصمت القبور، فهم إما عاجزون عن تقديم الإجابة، أو فرحون ببقاء الحزبية على ضعفها وتشرذمها، لأنهم استمرأوا حالة المراوحة السياسية الراهنة، التي لا يخفى عجزها ووصولها إلى جدار مسدود، إلا على الذين فقدوا البصر والبصيرة.

لسنا في “حالة إنكار” لضعف وتشرذم وهزال الحالة الحزبية الأردنية، وأكاد أجزم أننا بحكم عملنا، أعرف من غيرنا بـ “مقاتل” و”مكامن ضعف” هذه الأحزاب، لكننا في المقابل، نعرف تمام المعرفة لماذا انتهينا إلى ما نحن عليه، ونرد ذلك بالأساس، إلى السياسات والإجراءات والتشريعات الناظمة للعمل العام، في المقام الأول بالطبع، وليس في المقام الأخير ... ونعرف من دون ادعاء، طريق الخروج من هذا النفق، أو من أحجية: أيهما أولاً، الدجاجة أم البيضة، هل نغير السياسات ونصلح التشريعات أولاً، أو نبني أحزاباً قوية وجماهيرية صلبة ثم نشرع في عملية الإصلاح المنشودة؟

نحن لا نرى في الأمر أحجية، أو معضلة عصية على الحل، ولدينا تجارب قريبة وبعيدة ترشدنا إلى الحل ... الحل يبدأ بقانون انتخابات مغاير، يجعل الحزب وليس العشيرة أو الحمولة، هي قنوات التمثيل والمشاركة السياسية، إن لم يكن لكل مقاعد المجلس النيابي في البداية، فلنصفها على الأقل، ومن باب التدرج، وخلال دورتين نيابيتين أو ثلاث دورات، لن تكون لدينا أحزاب قوية فقط، بل ونظام حزبي واضح الملامح كذلك، شأننا في ذلك شأن سائر شعوب خلق الله.

ونرفض بكل الأحوال الاكتفاء بهجاء الأحزاب، مع أنها ليست فوق النقد والهجاء بكل تأكيد، إذ يتعين علينا أن نجرب ما جربته الشعوب المختلفة، وأن نشرع في إصلاحات جدية، ليست انقلابية نعم، ولكنها لا تسير بسرعة السلحفاء كما هو حالنا اليوم ... ونرفض استمراء الكثيرين لبقاء هذا الحال على حاله، فالحكومات المتعاقبة، أو “الدولة العميقة” كما يحلو للبعض القول، تستمرئ تشرذم الأحزاب وفسادها وشخصنتها وارتباطاتها الخارجية (إن وجدت) وقد تكون ما زالت قائمة حتى اليوم ... بدل أخذ هذه الأحزاب إلى “المحكمة” تفعيلاً لسيادة القانون، يرى البعض أن الاستثمار في سوءاتها، أكثر جدوى، فهو كفيل بإيجاد كل المبررات لتعطيل مسارات الإصلاح وتغيير مبادئ الانتخاب وقواعد اللعبة السياسية وإرجاء استحقاق الحكومات البرلمانية، وغير ذلك من استحقاقات معلقة على مشجب ضعف الأحزاب وهشاشتها.

والفرحون بضعف الأحزاب وتهاوي صدقيتها لدى الرأي العام، عليهم أن يتذكروا أنهم ليسوا في وضع أفضل منها من هذه الناحية، ومن لديه الشك في ذلك، عليه مراجعة معدلات الثقة بالحكومات والبرلمانات ورؤساء الحكومات والوزراء والنواب ... كلهم في الهم شرق، و”ما حدا أحسن من حدا”، والمطلوب استراتيجية وطنية لاستعادة ثقة المواطن بكل هذه المؤسسات، وليس بجزء منها على حساب الجزء الآخر، فتلكم مهمة مستحيلة.

وليس مقبولاً في مطلق الأحوال، وضع الأحزاب في مقابل “الدولة”، فالحكومة مكون من مكونات الدولة ولا تختصر الدولة في ذاتها، والأحزاب بدورها مكون من مكونات الدولة والمجتمع، والخلاف إن وقع، فهو بين مكونات الدولة، وليس بين “الدولة” والخارجين عليها ... وعلى الذين يروجون لهذه “المقابلة الجائرة والفارغة من كل مضمون”، وغالباً عن قصد وغرض، أن يكفوا عن اختزال الدولة بأشخاص ومؤسسات وأجهزة، تتهاوى شعبيتهم وتتآكل مصداقيتهم، يوماً إثر آخر، بدلالة كل ما مر علينا من دراسات واستطلاعات وكل ما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي من مواقف وانتقادات، وهي -المواقع- التي لم تعد وسيلة نخبة من الأردنيين، بعد أن تكاثر مستخدموها إلى ما يقرب من أعداد الأردنيين والأردنيات.

أحزابنا ضعيفة، نعم ... نريد أحزاباً قوية، إذ لا ديمقراطية من دون أحزاب سياسية، نعم ... هل لدينا إرادة بتطوير حياة حزبية وصولاً لبرلمان متعدد الأحزاب وحكومات برلمانية منتخبة، لا ... هل نحن أمام لغز عصي على الحل، لا ... هل لدينا الفرصة لاستنهاض حياة سياسية وحزبية متطورة في بلادنا، نعم ... كل حديث خارج هذه المعطيات، نوع من الجدل البيزنطي العقيم، أو كلام حق يراد به باطل، وأحياناً كلام باطل يراد به باطل أيضاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مسلمات» أخرى بحاجة للمراجعة «مسلمات» أخرى بحاجة للمراجعة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya