مذبحة خان شيخون

مذبحة خان شيخون

المغرب اليوم -

مذبحة خان شيخون

بقلم : عريب الرنتاوي

جريمة موصوفة تلك التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء في بلدة خان شيخون السورية، والمجرم الذي قارف الجريمة بدم بارد، يجب أن يلقى عقابه الصارم كمجرم حرب، أياً كان موقعه وخندقه ... أما محاولات التغطية والتعمية، أو الاستثمار والتكسب السياسيين، على حساب الضحايا، فتلكم جرائم لا تقل فداحة، من حيث انحطاطها الأخلاقي.

من الناحية المنطقية، يحتاج النظام لرقم قياسي من الحماقة، للقيام بفعلة نكراء من هذا النوع، فالجريمة تأتي غداة استدارة كبرى في مواقف واشنطن وبعض العواصم الغربية من نظام الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي عَدّه مراقبون، بمثابة “اختراق” سياسي يُحسب لصالح النظام وحلفائه من دون تردد ... والجريمة الأبشع، اقترفت غداة إنجازات ميدانية متراكمة، مثلت اختراقاً آخر، على جبهات القتال في حلب ومحيطها، وفي العاصمة وأطرافها الشرقية ... كما أنها جاءت في خضم تسويات محلية، جاءت جميعها لصالح النظام، من حي الوعر في حمص، إلى صفقة “المدن الأربعة”.

لا ندري إن كانت هذه هي الأسباب التي استندت إليها موسكو في نفيها مسؤولية النظام عن مجزرة خان شيخون، أم أن لدى معلومات صلبة تسند بها روايتها القائلة بوجود مستودع للسلاح الكيماوي في الأمكنة التي استهدفها سلاح الجو السوري بضرباته في إدلب .... الأمر محيّر حقاً، فالجريمة المروّعة أحدثت تبدلاً جوهرياً في اتجاهات تطور المواقف الدولية حيال نظام الأسد، ما كان النظام بحاجته أبداً، سيما وأنه ليس “محشوراً” من الناحية الميدانية على ذاك المحور على أقل تقدير، مثلما كان عليه حاله من قبل.

لكن النظام سبق وإن لجأ للسلاح الكيماوي في مرات سابقة، سيما عندما كانت موازين القوى تميل في غير صالحه على الأرض، خصوصاً في العام 2013، وهو الملف الذي من المفترض أن يكون قد أغلق بعد الصفقة الروسية – الأمريكية، التي حيدت السلاح الكيماوي السوري تماماً، وأخرجته من سوريا، نظير امتناع إدارة الرئيس باراك أوباما عن توجيه ضربات جوية وصاروخية ضد أهداف تتبع للنظام في حينه ... لكن القاعدة المنطقية تقول إن من استخدم هذا السلاح الفتاك مرة، يمكن أن يستخدمه مرات أخرى، ودائماً تبعاً لتبدل الظروف وتقلب الأحوال.

في المقابل، ليست الجماعات الجهادية بريئة من الاتهامات بحيازة السلاح الكيماوي واستخدامه في سوريا والعراق، تلكم باتت من حقائق ومسلمات الأزمتين العاصفتين في البلدين الجارين ... وليس مستبعداً أن تكون إدلب، معقل النصرة وملاذها الأقوى و”جغرافيا” إماراتها الإسلامية، قد أصبحت موطنا لإنتاج وتخزين هذا السلاح المجرّم ... ما يعطي الرواية الروسية، إضافة للأسباب التي سبق ذكرها، قدراً أكبر من الصدقية.

لكن الجريمة النكراء في خان شيخون، سقطت على كثير من الأطراف العربية والإقليمية والدولية، كهدية من السماء، فهي تصلح للتوظيف والاستثمار السياسيين من قبل خصوم دمشق وموسكو وطهران، وبهدف إعادة ترتيب أولويات إدارة الرئيس ترامب، ولعل أوضح محاولة لهذا التوظيف اللا أخلاقي بدوره، هو ما صدر عن وزير الخارجية الفرنسية مارك إيرولت فوراً وقبل التحقق والتحقيق، حين أدرج الجريمة برسم ترامب، واعتبرها أول اختبار له، في تحريض مكشوف وساذج، ليس لمراجعة مواقف الإدارة من مستقبل الأسد فحسب، بل ولإحياء “الخيار العسكري” في التعامل مع الأزمة السورية كذلك.

والحقيقة أن دوافع الوزير الفرنسي وحماسته لتوظيف الكارثة الإنسانية لأغراض سياسية، هي ذاتها الدوافع التي حركت قادة محور بأكمله، هبواً من دون تحقق أو تحقيق لفعل الشيء ذاته، غير عابئين بالتأكد من هوية الجاني، وضمان تقديمه للعدالة الجنائية الدولية.

وسيكون مجلس الأمن الدولي مسرحاً لنقاشات واتهامات وتهديدات متبادلة، مع أن المطلوب من هذا المجلس، فوراً ومن دون إبطاء، هو تشكيل لجنة تحقيق دولية، مهنية ومحايدة، لتحديد المجرم أو حلقة الإجرام التي تقف وراء هذه الفعلة السوداء، وضمان أن يلقى هؤلاء جميعاً، قصاصهم العادل، أياً كانواً ومهما ارتفعت مناصبهم وحصاناتهم ... مثل هذا الموقف، كفيل بعدم إفلات المجرم الحقيقي من العقاب من جهة، مثلما هو كفيل بقطع الطريق على محاولات التوظيف السياسي، التي لا تقيم وزناً للضحايا، بل تؤثر إدراجهم في بورصة النخاسة التي انتعشت كما لم يحصل من قبل، طيلة سنوات الأزمة السورية الست.

إن كان النظام هو المسؤول عن هذه الجريمة، فهو يستحق أشد العقاب، ومرتين بدلاً من مرة واحدة، الأولى بسبب فداحة الجرم، والثانية بتهمة الغباء والحماقة ... وإن كانت المعارضة أو الفصائل الجهادية هي المسؤولية، بتخزينها سلاحاً تدميرياً شاملاً في أحياء سكنية، فهي تستحق العقوبة مرتين كذلك، الأولى لامتلاكها سلاحاً محرماً دولياً والثانية لتخزينه وسط “دروع بشرية” وقودها الأطفال والشيوخ والنساء ... والقول الفصل في المسألة برمتها، إنما يعود للجنة تحقيق دولية مهنية، موضوعية ومحايدة، وبخلاف ذلك، سيتمترس كل فريق خلف “روايته”، وسينجو الفاعل بفعلته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذبحة خان شيخون مذبحة خان شيخون



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya