العرب والكرد بعد «النكسة»، ما العمل

العرب والكرد: بعد «النكسة»، ما العمل؟

المغرب اليوم -

العرب والكرد بعد «النكسة»، ما العمل

بقلم - عريب الرنتاوي

أدار رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي أزمة استفتاء (إقراء انفصال) إقليم كردستان بقدر “معقول” من الحنكة والمسؤولية ... لكن ملف العلاقة بين المركز والإقليم، لا يُدار من قبل رئيس الحكومة وحده، ففي العراق، باتت جميع الملفات تخضع بهذا القدر أو ذاك، لإدارة أطراف ولاعبين كثر، بوجود مراكز قوى ونفوذ متعددة وموزعة على الكثير من الاتجاهات السياسية والفكرية المتناقضة.
ولا يكاد يختلف اثنان في أن ما حصل بعد “الخامس والعشرين من أيلول الفائت”، كان بمثابة هزيمة نكراء للمشروع الاستقلالي الكردي ولطموحات هذا الشعب الشقيق في تقرير مصيره بنفسه، ويذهب البعض من الكتاب والمحللين إلى حد تشبية وضع الحركة القومية الكردية بما كانت عليه الحركة القومية العربية بعد هزيمة حزيران، والتي أسست لانهيار هذه الحركة المتلاحق والمتتابع، والذي ما زالت تداعياته تتفاعل بعد مرور خمسين عاماً على حرب الأيام الستة.
كرد العراق أمام منعطف غير مسبوق منذ عقدين من الزمان، إن لم نقل أبعد من ذلك ... وأمامهم أن يبحثوا عن “مشاجب” يعلقون عليها أوزار فشلهم، كما فعل إخوانهم العرب قبل خمسين عاماً بالتمام والكمال، أو أن يبحثوا عن الأسباب العميقة لـ “التجربة المرة” في ثنايا حركتهم القومية بأحزابها وقياداتها المختلفة وما أنتجته هذه الحركة من بنى ومؤسسات، وما انتهجته من استراتيجيات وسياسات وممارسات، طول ربع قرن من استقلالهم الواقعي ‘Defacto”.
وأذكر أنني عرضت لبعض جوانب هذه الرؤيا في مؤتمر “الديمقراطية وتقرير المصير” الذي استضافته السليمانية عشية الاستفتاء مباشرة، حين جادل بعض الإخوة الكرد بأن حديثنا نحن العرب، عن فشل مشروع بناء “دولة المواطنة” في الإقليم، ومخاطر إعادة انتاج دولة ريعية في زمن تآكل النفط وعائداته وتراجع مكانتهما الاستراتيجية، إنما ينطوي على نزعة تبريرية لإدامة استتباع الكرد للمركز، وأن دعمنا “المشروط” لتقرير المصير، إنما يستبطن موقفاً “منافقاً” من مشروعهم الوطني، فما كان مني في حينه، إلا أن رحبت بدولة كردستان العتيدة، كعضو فاعل ونشيط، في نادي “الدول الفاشلة” في الإقليم، والتي يتزايد عددها وتتكاثر كالنبت الشيطاني، لكن حتى هذا الخيار، بات بعيد المنال بالنسبة للكرد، أقله في المدى المرئي والمنظور.
لا يعني ذلك بالطبع، أن المركز (بغداد) أو العنصر العربي في المعادلة العراقية، يعيش ظروفاً أفضل على هذا الصعيد، فإن كان كرد العراق بحاجة لمراجعة التجربة وتقديم مرافعة في النقد والنقد الذاتي، فإن عرب العراق مطالبون بما يشبه “الثورة البيضاء” على التجربة السابقة للعام 2003 واللاحقة لها على حد سواء، فالعراق بدوره، تجربة في الفشل عندما يتعلق الأمر بالحكم الرشيد ومشروع بناء “دولة الأمة” ... والنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية والمذهبية، تكشّف عن عجز في “جمع القمامة” وإيصال الكهرباء وماء الشرب الى منازل العراقيين، وخضع لأفدح هزيمة في أواسط حزيران 2014 على يد عصابات داعش، التي نجحت في لمح البصر، في احتلال ما يقرب من نصف مساحة العراق ... ما حصل في تلك الأيام، أشد هولاً وفداحة من هزيمة ثلاثة جيوش عربية أمام “جيش الشرذمة وشذاذ الآفاق” وفقاً لخطاب البعث وصوت العرب سواء بسواء.
لسنا متفائلين بأمر المراجعات هذه، لا في المركز ولا في الإقليم، فنحن أبناء مدرسة في العمل السياسي والفكري، على تعدد مشاربها ومرجعياتها، نشأنا على مسلمة “أن الأحداث جاءت لتبرهن على صحة مواقفنا”، لكأن لا وظيفة للاحداث و”التطور التاريخي” برمته، سوى البرهنة على صحة خطاب الحزب أو الزعيم، أما حين يقع الخطأ (اقرأ المصيبة) فغالباً ما يعود السبب لعوامل خارجة عن المألوف، أو ينسب لبطانة السوء، وأحياناً لكبر حجم المؤامرة وتعاظم أدوار المتآمرين.
ما يهمنا اليوم، واليوم على نحو خاص، هو أن يخرج العرب، كل العرب، وليس عرب العراق وحدهم، من “النزعة الانتصارية” التي تميّز سلوكهم وخطابهم حيال الكرد، وأن يتوفروا على قدر من الحكمة والرؤية المستقبلية، التي تتوخى العيش المشترك وتحترم روابط الأخوة والمواطنة المشتركة، وأن يتصدوا لكل مظاهر السلوك والتفكير “الانتقامي” الذي يتعمد إهانة الكرد وإذلالهم، وسلب ما لهم من حقوق ومصادرة ما يعتمر في صدورهم من تطلعات.
بعض المنتشين بالنصر السهل المتحقق للمركز على الإقليم، يستعيدون لتبرير سلوكهم البائس، صفحات من “الغطرسة” و”الاستعلاء” الكرديين، حيال بغداد والعرب عموماً، وهو أمر لم نكن في غفلة عنه، ولقد شاهدنا بعض صوره ولمسنا بعض تجلياته، في التجربة الشخصية المباشرة مع المكون الكردي ... لكن الرد على الغطرسة بغطرسة من نوعها أو أثقل منها، والرد على الاستعلاء بعنصرية وشوفينية “القومية الكبرى”، أمرٌ شديد الخطورة، ويؤسس لموجات قادمة من حروب الإخوة الأعداء، ودائماً بالضد من مصالح العرب والكرد على حد سواء.
في السليمانية، حذرنا من خطر تفشي “شوفينية الأقلية” التي تتذرع بالانتقام من “شوفينية الأغلبية” ... حرب الشوفينييات هذه يجب أن تنتهي، والخروج من دائرة الأفعال وردود الأفعال، بات أولوية كبرى، صوناً للمستقبل، وبغرض إعادة بناء عراق “ما بعد داعش”، وعراق “ما بعد صدام حسين” و”عراق ما بعد البارزاني واستفتائه” ... والمسؤولية الكبرى في كسر هذه “الدائرة الشريرة” تقع على عاتق الأغلبية أولاً، والمبادرة يجب أن تنطلق من بغداد، على أن تلاقيها مبادرات مماثلة من عقلاء الإقليم ونخبه الأكثر واقعية ... أما النخب العربية من خارج العراق، فمسؤولة أيضاَ وعليها القيام بمبادرات إطفائية، بدل أن يكتفي بعضها بصب المزيد من الزيت الحار، على نيران المشاعر المتأججة، والاستمتاع بنكء الجراح المفتوحة والمتقرحة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب والكرد بعد «النكسة»، ما العمل العرب والكرد بعد «النكسة»، ما العمل



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya