«الركبان» أو حكاية «إبريق الزيت»

«الركبان» أو حكاية «إبريق الزيت»

المغرب اليوم -

«الركبان» أو حكاية «إبريق الزيت»

بقلم - عريب الرنتاوي

بين الحين والآخر، تطل علينا منظمات حقوقية وأممية، وأحيانا حكومات ومنظمات دولية، بحكاية “مخيم الركبان”، يحضر الجانب الإنساني العام المجرد، وتغيب حسابات الأمن الوطني للدولة المضيفة، ويضرب عرض الحائط بسجل مشرف من التعامل مع اللاجئين، السوريين اليوم، والعراقيين بالأمس، ومن قبلهم ومن بعدهم شعوب وأقوام من مختلف دول الأزمات والصراعات، الذين يمموا وجوههم شطر الأردن، ووجدوا على أرضه وبين ناسه، حضناً دافئاً وأهلاً وأصدقاء.
ضاق الأردن بما رحب بأكثر من مليون لاجئ سوري، أوروبا “انفجرت” برقم مماثل، وانطلقت في دواخلها سلسلة لا تنتهي من التحولات والتداعيات، ليس أقلها صعود اليمين المتطرف الذي هزم ويهدد هزيمة أحزابٍ تاريخية، حكمت بعض دولها بتواصل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتخلّقت في إثر موجة اللجوء إلى القارة العجوز، نزعات وتوترات، وتفاقم تهديد الإرهاب، وانعكس كل هذا وذاك إلى سياسات وتشريعات، غير مسبوقة.
أجزاء واسعة من أوروبا، الشرقية على وجه الخصوص، أغلقت منذ البدء أبوابها في وجه اللاجئين، في مخيم الزعتري وحده، عدد من اللاجئين السوريين، يفوق أعدادهم في حفنة من الدول الأوروبية، ومع ذلك، تطالعنا هيومن راتيس ووتش بمرافعة حول الحاجة لنقل “مخيم الركبان” إلى الداخل الأردني.
الولايات المتحدة في زمن ترامب، أغلقت أبوابها في وجه الهجرة والزائرين، وأعداد الدول المحظور على مواطنيها دخول “أرض الفرص الواعدة” في تزايد مستمر، وما بدا أنه واحدة من “شطحات” ترامب ونزواته العديدة، تحول إلى سياسة وتشريع، وقبلت المحكمة العليا بالقرارات الرئاسية و”شرعنتها”، ومع ذلك يطلب من الأردن، ما لم يطلب من الدول الأكبر في العالم.
منذ اليوم الأول لتدفق اللاجئين السوريين صوب “الركبان”، توقف الأردنيون ملياً أمام سبب اختيار هذه الوجهة للنزوح السوري الجديد، معظم القادمين إلى تلك المنطقة، جاءوا من مناطق سيطرة داعش في الشرق والشمال الشرقي السوري ... مع مزيد من المعلومات المتواترة على “تفخيخ” هذه الموجة من النازجين، بخلايا وعناصر، نائمة ويقظة من داعش، توخى الأردن الحذر، سيما بعد أن اكتوى بنار الإرهاب المنطلق من المخيم، وأغلق حدوده في وجه موجة جديد من “النزوح المفخخ” هذه المرة، ولقي القرار الرسمي تأييداً شعبياً إلا من بعض المنظمات الهامشية التي تعتقد بأن بقاءها رهن باستمرار ترديدها الببغائي لمقولات منظمات وجمعيات مانحة وداعمة.
والغريب في الأمر، أن حملة الضغوط على الأردن لاستقبال الركبان” على أرضه، تتزامن مع اندلاع المشاورات والمفاوضات والحوارات، لتمكين اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم، خصوصاً بعد التجربة الناجحة نسبياً لمناطق خفض التصعيد، الدول المضيفة للاجئين تضع الخطط لإتمام عودتهم الطوعية إلى ديارهم، وبعض الجماعات الدولية تضغط على الأردن، لاستقبال موجة كبيرة، دفعة واحدة من لاجئي “الركبان”، أي مفارقة هذه.
والأمر الغريب الثاني، أن منطقة المخيم، باتت تحت سيطرة الجيش السوري أو تكاد، وبدل أن يجري توجيه المساعدات للاجئي المخيم على أرضهم، وبالتنسيق مع الجيش السوري، كما كان يحصل في الكثير من المناطق المحاصرة، حيث تم إيصال المساعدات الإنسانية الدولية بالتنسيق والتعاون مع الحكومة السورية وأجهزتها ذات الصلة ... إلا في “الركبان”، ثمة إصرار على فتح الحدود الأردنية أمام قاطنيه، بحجة لا تصمد طويلاً، وتتصل بالمساعدات الإنسانية ...ثمة طرق أخرى للمساعدة، لا تهدد أمن أحد ولا تزيد من أعبائه.
بعض المتباكين على الوضع “اللا إنساني” للمخيم، وهو وضع لا إنساني بالفعل، ينتمون لدول لم تظهر أي حساسية حيال ملف اللجوء السوري، ولم تفتح دولها حدودها أمامهم، مع أنها أكثر اقتداراً بكل المقاييس والمعايير من الأردن، فلماذا تتوجه سهام الضغط هنا، وتطيش عن هدفها الأساس هناك؟
لو أن الأردن قبل بنقل المخيم من قبل، لاحتل “الركبان” في موقعه الجديد، مكانة المدينة الخامسة في الأردن بعد مخيم الزعتري والزرقاء وإربد وعمان ... هل يعقل أن تكون مدينتان من أصل أكبر خمس مدن في الأردن، مخصصتين للجوء السوري، من يقبل بهذا؟ ... هل يمكن لـ “خبير حقوق انسان” جالس في أي بقعة في العالم، أن يكتفي بتسطير بعض الصفحات اعتماداً على مواد محفوظة عن ظهر قلب، من دون أخذ أي اعتبار آخر من الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية وغيرها؟ ... وهل نقبل بحل مشكلات إنسانية لمجموعة من اللاجئين ونقامر في المقابل بفتح الباب أمام شتى التهديدات المحتملة على أمن البلاد وسلمها واستقرارها ومواردها وتركيبتها إلى ما هنالك؟
 الدول المضيفة للاجئين السوريين كافة، بلا استنثاء، تشكو من تقاعس المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماتها حيال هذا الملف الثقيل، والدول المانحة تعترف بأنها قلصت مساعداتها ووجهت بعض مواردها لاستيعاب اللاجئين الذين دخلوا حدودها، فهل في مثل هذه الظروف، يُراد للأردن أن يستضيف 80 ألف لاجئ إضافي، ومن ذا الذي سيتحمل أكلاف وتبعات أمرٍ كهذا؟
لن نقبل بأن نجعل من “الركبان” حكاية “إبريق الزيت” الجديدة، يكفي الأردن أنه ثاني بلد في العالم من حيث نسبة اللاجئين السوريين إلى مجموع سكانه، بعد لبنان الشقيق ... لماذا يريدون لنا المكانة الأولى على هذه القائمة، وهناك قوائم أخرى عديدة، نحبذ أن نتصدرها غير هذه القائمة ... يكفينا ما نحن فيه وعليه من ضائقة اقتصادية، تجعل الأردنيين عموماً في مزاج صعب وحاد، ويتولد عليها ما لا يحمد عقباه من ظواهر اجتماعية واخلاقية، نعاني منها جميعاً، ونتحسب لمخاطر تفاقهما، بعد أن باتت “جزءاً من مهددات أمننا الوطني وسلمنا الأهلي”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الركبان» أو حكاية «إبريق الزيت» «الركبان» أو حكاية «إبريق الزيت»



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya