في حضرة الجيش اللبناني

في حضرة الجيش اللبناني

المغرب اليوم -

في حضرة الجيش اللبناني

بقلم - عريب الرنتاوي

أتاح لنا الصديق العميد فادي أبي فرّاج، مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، فرصة نادرة للاستماع عن كثب إلى قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، متحدثاً في مفتتح مؤتمره الإقليمي الثامن الهام بعنوان “تدعيم الاستقرار والتنمية في العالم العربي والشرق الأوسط”، وبمشاركة العشرات من الباحثين والمفكرين من عشرين دولة شقيقة وصديقة ... الجنرال اللبناني لم يتلعثم للحظة واحدة، وهو يطلق تأكيداته، بأن قواته وضعت على أهبة الاستعداد للتصدي لأي اعتداء إسرائيلي على الغاز والمياه والأراضي اللبنانية، في إشارة منه إلى محاولات إسرائيلية، مدعومة أمريكياً، للاستحواذ على مساحة من “البلوك 9” الغني بالغاز في المياه اللبنانية، ورسم مسار للجدار الذي تبنيه إسرائيل على طول حدودها مع لبنان، ويُراد به اقتطاع مساحات من الأراضي اللبنانية.
وقد لفتني بعض الأصدقاء المشاركين من الدول العربية، أن “نبرة” الجيش تبدو مختلفة عن السائد عربيا في الوقت الحاضر... الحال ليس كذلك في الجيش اللبناني، وهذا ما يجعله عرضة لكل أشكال الحصار والتضييق في التسليح والتجهيز، فثمة قيود صارمة على كمية ونوعية السلاح الذي يتلقاه هذا الجيش الوطني.
يعرف العماد جوزيف عون، مثلما نعرف جميعاً، ان توازنات القوى “النظامية” بين لبنان وإسرائيل، مختلّة تماماً لصالح الأخيرة، لكنه مع ذلك يراهن على أمرين اثنين: أولهما، أن الجيش بأفراده وضباطه، من مختلف الطوائف، بنى عقيدة قتالية على أن إسرائيل أولاً والإرهاب التكفيري ثانياً، هما عدوا لبنان اللدودان، وأن الدفاع عن الوطن والمواطنين في مواجهة هذين العدوين، هو جوهر العقيدة العسكرية لهذا الجيش، وهذا بحد ذاته، يخلق طاقة كفاحية عند منتسبي القوات المسلحة، تسهم في تقليص فجوة التوازنات في العتاد والعديد.
ثانيهما، وربما أهمهما، أن الجيش سيجد إسناداً قوياً من مقاومة حزب الله، المسلحة جيداً والمدربة على أرفع مستوى، والمتوفرة على جاهزية قتالية نادرة، مؤسسة على بعد عقائدي... إسرائيل تخشى تهديد حزب الله، أكثر من أي تهديد آخر، وإسرائيل تنضبط لحالة من “توازن الردع المتبادل” .
اللبنانيون جميعاً، استيقظوا مع اندلاع آخر جولة من جولات النزاع اللبناني الإسرائيلي على حقيقة الأطماع الإسرائيلية في مياههم وغازهم وأراضيهم ... وبعض الذين ظنوا أن مشكلة إسرائيل مع لبنان تنحصر في سلاح حزب الله، اكتشفوا أن الشهية التوسعية الإسرائيلية لا حدود لها ولا قعر ... فأخذوا يبحثون في قرارة أنفسهم، عن الكيفية التي يمكن بها تحصين لبنان في مواجهة هذه العدوانية المنفلتة من عقالها، ووجدوا الجواب في “الردع” الذي يوفره سلاح الجيش والحزب، لا سلاح الدبلوماسية ... هدأت الأصوات التي تتحدث عن “السلاح”، مع أن المناكفات الداخلية تسمح بالعودة إلى هذا الموضوع السجالي الأثير على قلوب بعض اللبنانيين بين الحين والآخر ... لكنك تدرك وانت تتحاور مع اللبنانيين، حتى من خصوم الحزب، أن ثمة “نظرة عقلانية” أكثر وضوحاً بدأت تطل برأسها في ثنايا أحاديثهم وأقوالهم، فلا أحد بمقدوره نزع هذا السلاح بالقوة الغاشمة، وليس لدى لبنان ما يردع به إسرائيل، أفضل من هذا السلاح، سيما ان اتحد بسلاح الجيش وتدثر بغطاء إجماع وطني، أقله في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية المدعمّة أمريكياً.
ولقد علمت أن حزب الله أوفد إلى الرئيس العماد ميشيل عون بموفد، حمّله رسائل قوية وواضحة مفادها: نحن قادرون على رد الصاع صاعين، ولدينا ما يكفي لمنع إسرائيل من تنفيذ اعتداءاتها ورد كيدها إلى نحرها، على اعتبار أن هذه ورقة قوة بالغة الأهمية، يتعين الاتكاء عليها في المفاوضات الدائرة عبر قناة ديفيد ساترفيلد أو غيره من المسؤولين الأمريكيين.
الجيش بدوره يدرك هذه الحقائق ويواكبها، وهو الخارج للتو من معركة منتصرة في جرود عرسال مع فلول داعش والنصرة، وهي المعركة التي تولى حزب الله شطراً منها، قبل أن يكمل الجيش شطرها الآخر، وبتنسيق عملياتي وميداني، ما كان لتطهير السلسلة الشرقية وجرود عرسال من التنظيمات الإرهابية، أن يتم من دونه.
اللبنانيون أجمعوا على التنديد بالمحاولات الإسرائيلية لسرقة أرضهم ومياههم وغازهم،... الرؤساء الثلاثة (عون، بري والحريري) تحدثوا بلسان واحد مع تيلرسون في موضوع ترسيم الحدود المائية والبرية ... لا أحد في لبنان غرّد خارج السرب ... توفرت المظلة الوطنية الصلبة للجيش اللبناني، فأطل قائده بخطاب قوي، تناقلته مختلف وكالات الأنباء العالمية، يتحدث فيه عن “أمر عمليات” صدر بالفعل للدفاع عن حدود لبنان ومياهه وثرواته.
لبنان من أصغر الدول العربية مساحة وتعداداً، ولطالما تردد أن قوة هذا البلد في ضعفه، قبل أن تنقلب الآية، وتصبح قوة لبنان في قوته، وقوة لبنان في تعدديته ووحدة إرادته... والإرادة اللبنانية اليوم، موحدة حول حاجة لبنان للصمود والردع، وهما ما يوفرهما الجيش وحزب الله في هذه المرحلة، ومن دونهما لن تحتاج دبابات إسرائيل سوى لساعتين من الوقت للوصول إلى بيروت، وهما – للمفارقة – الساعتان اللتان طلبهما حزب الله من مجلس الدفاع الأعلى، للقضاء على الحفارات والمنشآت النفطية الإسرائيلية التي يمكن أن تسطو على نفط لبنان وغازه.
حزب الله في المقابل، تصرف بكثير من الحكمة هذه المرة، وضع مقدراته في تصرف رئيس الدولة ومجلس الدفاع، وأبلغ العماد ميشيل عون بما لديه وما بمقدوره أن يفعله، وترك قرار الحرب والسلام في عهدة الدولة ... مثل هذا الموقف أراح اللبنانيين جميعاً، الذين طالما شددوا على ضرورة ترك قرار الحرب والسلم للدولة، وأراح حزب الله، إذ أسقط عن كاهله حكاية “التفرد” و”الانفراد” بهذا القرار، وأراح المفاوض اللبناني، الذي صار بمقدوره أن ينتزع في أعقاب كل رحلة من رحلات ساترفيلد المكوكية بين تل أبيب وبيروت، حقاً من حقوقه الوطنية المشروعة، الأمر الذي حدا بوزير خارجية لبنان جبران باسيل للقول بأن الفرصة أمام لبنان لاسترداد حقوقه باتت مفتوحة وأفضل من أي وقت مضى... ألم نكتب قبل بضعة أيام تحت عنوان “يضع سره في أضعف خلقه؟”

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حضرة الجيش اللبناني في حضرة الجيش اللبناني



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya