السودان في استدارته الثالثة أنقرة بعد طهران والرياض

السودان في استدارته الثالثة: أنقرة بعد طهران والرياض

المغرب اليوم -

السودان في استدارته الثالثة أنقرة بعد طهران والرياض

بقلم - عريب الرنتاوي

أقام السودان علاقات استراتيجية وثيقة مع طهران سياسياً واقتصادياً دامت لسنوات عديدة، اشتملت على جوانب وأبعاد عسكرية ودفاعية، وبدا لبعض الوقت، أن الخرطوم، تتحول تدريجياً إلى عاصمة “رابعة” من عواصم “المقاومة والممانعة”، وتعرضت نظير ذلك، لحملات تطويق وحصار، وشنت الطائرات الإسرائيلية عدة غارات ضد قوافل قالت إنها محمّلة بالسلاح المورد إلى حركة حماس، عبر أنفاق غزة وصحراء سيناء، وقبلها كانت الخرطوم ذاتها، هدفاً لضربات أمريكية، بحجة تدمير مصانع إيرانية لإنتاج السلاح ... أما عن العقوبات الدولية و”محكمة لاهاي” و”حرب الانفصال” وملفات “حقوق الانسان” المفتوحة دوماً والجاهزة باستمرار للتوظيف، فحدث ولا حرج.
بيد أن حال الخرطوم لم يستمر على هذا المنوال، فقد شهدت سنوات “الربيع العربي” استدارة في مواقفها وتحالفاتها، بدأت مع تتالي الاتهامات لإيران بنشر التشيع، وإغلاق مكاتب ومراكز ثقافية إيرانية في الخرطوم، تزامناً مع انفتاح على الرياض، أعقب مرحلة من القطيعة مع السعودية وعدد من دول الخليج، ليبلغ الأمر ذروته مع اندلاع “عاصفة الحزم” ... نظام الرئيس البشير، تصدر الصفوف، ورفع راية الحرب على إيران في اليمن، وأرسل أعداداً كبيرة نسبياً من الجنود، وحصل نظير ذلك على مستويات غير مسبوقة من الدعم الخليجي السياسي والمعنوي والمالي، تزامناً مع تطور متسارع في العلاقة مع واشنطن، ورفع جدي للعقوبات المفروضة على البلاد ... وفجأة باتت الخرطوم عاصمة محورية من عواصم “الاعتدال العربي”
لكن هذا الحال لم يستمر على ذاك المنوال أيضاً، وطرأ ما يشي بأن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر السوداني، فبعض أو كثير من الوعود التي أغدقت على الخرطوم يبدو أنها لم تترجم  .
وأحسب، أن مما سرّع في خطوات السودان المتباعدة عن خط الرياض – أبو ظبي، ما حصل في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إذ مقابل إقرار الاتفاقية بـ”سعودية” الجزيرتين اللتين أظهرتهما الخرائط الموقع عليها والمودعة في أرشيف الأمم المتحدة، تضمنت الخرائط ذاتها، ما يؤكد “مصرية” مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين القاهرة والخرطوم ... مثل هذا الموقف أثار حفيظة السودان، الذي يبدو أن علاقاته الفاترة، إن لم نقل المتوترة مع مصر، تدفعه للتقرب من إيران حيناً، ومن الموقف الأثيوبي في النزاع حول “سد النهضة” حيناً آخراً، وصولاً للتقرب من تركيا واستقبال رئيسها رجب طيب أردوغان، استقبال الملوك الفاتحين مؤخراً.
زيارة أردوغان للخرطوم، دشنت “استدارة ثالثة” في مواقف الخرطوم وتحالفاتها، حيث جرى توقيع 21 اتفاقاً للتعاون الثنائي في شتى المجالات، وتقرر رفع التبادل التجاري بين البلدين من 500 مليون دولار سنوياً إلى عشرة مليارات دولار في المستقبل، وسلم السودان جزيرة لتركيا، أو خصصها لها، لتعيد إعمارها وتأهيلها، وهي الجزيرة التي كانت حاضنة القيادة العثمانية في البحر الأحمر، وسط معلومات عن تحويلها إلى قاعدة عسكرية متقدمة لتركيا في البحر الأحمر وشرق أفريقيا.
وإذ ترافقت زيارة أردوغان مع زيارة وزير الدفاع القطري للخرطوم، و”القمة العسكرية الثلاثية”، التركية – السودانية – القطرية، فإن التكهنات باحتمال تحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية تركية، قد انتعشت، تزامناً مع الأنباء عن زيادة حجم الوجود العسكري التركي في قطر، وبعد أن نجحت تركيا في تدشين قاعدة عسكرية لها في الصومال.
لا شك، أن وجوداً تركياً عسكرياً على مقربة من مصر وقبالة السعودية، وتعزيز حضورها الممتد من البحر الأحمر وحتى الخليج العربي مروراً بخليج عدن، من شأنه أن يكون مصدر إزعاج، حتى لا نقول مصدر تهديد، للمصالح المصرية والسعودية والإماراتية، في وقت تتميز فيه علاقات أنقرة ببعض هذه الدول الثلاث، بالتوتر وببعضها الآخر بالقطيعة.
خلال العقد الأخير، تنقلت الخرطوم بين محاور ثلاثة: المحور الإيراني، محور الاعتدال الخليجي، واليوم تقترب من المحور التركي القطري، الأقرب إليها تاريخياً، وهي التي طالما حكمت بالإخوان وظلت حاضنة لهم ومتعاطفة مع خطابهم منذ العام 1989.
والمؤسف أن الخرطوم في تبدلاتها وتقلباتها، لم تجرب أو لم تتح لها الفرصة لتجريب، فكرة “تحالف حوض النيل” مع مصر، بل ويمكن القول، إن بعض التبدلات في تحالفات الخرطوم، كان تعبيراً أو استجابة لضرورات الخصومة مع القاهرة، وبصرف النظر عن مسؤولية الأطراف عن هذا التوتر والفتور في العلاقة بين البلدين الشقيقين، إلا أن الحقيقة المؤلمة، أن “فراغ القوى الدولية” في الإقليم، بدأت تملأه دول إقليمية، وتحديداً تركيا وإيران، في وقت تغيب فيها عواصم عربية وازنة عن المشهد.
المؤسف، أن أفريقيا والبحر الأحمر، اللذين كانا مجالاً حيوياً للسياسة الخارجية المصرية ولدور القاهرة الإقليمي، أصبحا ملعبين مفتوحين تتصارع فوقهما قوى إقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل، وحتى أثيوبيا، في غياب أو “غيبوبة” مؤلمة للحضور العربي .

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان في استدارته الثالثة أنقرة بعد طهران والرياض السودان في استدارته الثالثة أنقرة بعد طهران والرياض



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya