بمناسبة «قائمة المطلوبين»

بمناسبة «قائمة المطلوبين»

المغرب اليوم -

بمناسبة «قائمة المطلوبين»

بقلم - عريب الرنتاوي

لست أدري بدقة، متى كانت أول زيارة قام بها الملك عبد الله الثاني لدمشق، زمن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ربما في المنقلب الثاني من العام 1999، بيد أنني ما زلت أذكر ذاك الاتصال من الديوان الملكي يطلب مني المتحدث الآخر على الهاتف، أن أستعد لمرافقة الوفد الزائر إلى سوريا ... سعدت بالخبر، بقدر ما انتابني شعور بالقلق، كنت أعرف يومها أنني على «قوائم المطلوبين» لجهاز أو أجهزة أمنية سورية، أو هكذا خُيّل لي ... لم أتردد في الترحيب بالدعوة الكريمة، وأبقيت قلقي يعتمل داخل نفسي وحدها.
قلت بعد انتهاء المكالمة، وفي قرارة نفسي بالطبع: العلاقات جيدة مع سوريا، ودمشق واحدة من أولى وجهات الملك في زياراته الخارجية، ومن غير المعقول أن يتعرضوا لكاتب أو إعلامي في عداد الوفد المرافق، سيما وأن جلالته اصطحبنا على متن «صقر قريش» ... لا داعي للقلق، اعقل وتوكل، وهذا ما كان. 
في الطائرة، خاطبت رئيس الديوان مازحاً، وكان آنذاك عبد الكريم الكباريتي: الرجاء لا تنسوا عدّ الوفد في طريق العودة، حتى لا ينقص أحدنا عن قصد أو من دونه، في بوح غير مباشر عن هواجسي الداخلية ... كانت زيارة بالغة المتعة والأهمية، تحديداً في مقطعها الخاص بزيارة المسجد الأموي وتناول البوظة عند بكداش ... وأذكر ذات مساء، أن قرع باب غرفتي في فندق الميريديان، فإذا برجل ضخم يحمل صندوقاً من «الأرابيسك» مزخرفاً على الطريقة الشامية، يقدمه إلي بكل احترام قائلاً: هدية لسيادتكم من سيادة الرئيس حافظ الأسد... فتحت الصندوق، فإذا به يحتوي أيضاً على طقم مطرزات شامية، أو بالعامية مفرش طاولة وتوابعه، وكان جميلاً للغاية.
لكن أكثر ما أثار انتباهي، أن الصندوق احتوى على بطاقة صغيرة طبع عليها: حافظ الأسد، رئيس الجمهورية، وعليها إهداء بخط اليد وتوقيع الرئيس، مصحوباً بعبارة مع تحيات ... انتزعت البطاقة، ووضعتها في محفظتي فربما أحتاج إليها، من يدري.... بالنسبة لي، كانت البطاقة أكثر أهمية من الصندوق ومحتوياته.
قررت بعد تلك الزيارة بفترة وجيزة جداً: بضعة أيام، أن أعاود المحاولة لزيارة سوريا، ولكن لوحدي هذه المرة بالطبع ... شغّلت سيارتي «الدايو» آنذاك، ووضعت حقائبي في صندوقها، وبعد ساعة وربع تقريباً، كنت وجهاً إلى وجه مع رجل الأمن السوري على الحدود ... سلمته جواز سفري، وبداخله بطاقة التحية الممهورة بتوقيع وإهداء الرئيس الأسد شخصياً ... حدّق فيّ مرات ومرات، وعاود النظر مقارناً صورتي بصورة الجواز، واسمي بالاسم المكتوب على البطاقة إياها ... قبل أن ينهض مسرعاً لمراجعة كبار المسؤولين في الغرف البعيدة عن «الكاونتر» ... غاب لنصف ساعة أو يزيد قليلاً، قبل أن يعود ويسارع في طبع «ختم الدخول» على الجواز، من دون سؤال أو جواب.
مضت الأمور على ما يرام، وبقيت على هذا الحال، أزور سوريا باستمرار، وبمعدل لا يقل ثلاث أو أربع مرات سنوياً، وأحياناً أعبرها في الطريق إلى لبنان ... استمر الحال على هذا المنوال حتى العام 2003، عندم اندلعت أزمة سياسية وإعلامية بين الأردن وسوريا، وكنت ممن تصدوا لحملات النظام، تحديداً زمن «الأردن أولاً»، وامتنعت بمبادرة مني عن التردد على دمشق أو دخول الأراضي والأجواء السورية، إلى أن فاض الكيل بي، فقررنا، صديقي وعديلي أمجد ناصر وأنا، أن نصطحب عائلتينا في رحلة إلى سوريا.
حشرنا عائلتينا في سيارة «التاهو» الكبيرة، وساعدنا أن الأولاد كانوا صغاراً في الأعمار والأحجام ... ووصلنا إلى نصيب ظهراً ... كان ذلك في مطلع آب/أغسطس 2008، استوقنا الأمن مطولاً، قبل أن يخرج علينا أحد رجالاته سائلاً: أين عريب الرنتاوي، أشرت إلى نفسي فقال: أنت ممنوع من دخول سوريا، أما بقية أفراد العائلتين، 

بقية مقال عريب الرنتاوي المنشور على الصفحة الأخيرة

فلهم أن يدخلوا أو يمروا من دون مشكلة ... قررنا جميعاً العودة من حيث أتينا، واستبدلنا شرم الشيخ بدمشق، لقضاء تلك الإجازة العائلية المشتركة النادرة.
ظل الحال على هذا المنوال، لعام آخر أو شيء من هذا القبيل، حيث سألتقي بالصدفة بالسفير السوري الجديد المعين لدى البلاط الهاشمي: اللواء بهجت سليمان، وكان لقاء طريفاً في الديوان الملكي ذات مناسبة، وطلبت إليه أن ينظر في أمر منعي من دخول سوريا، فاستمهلني حتى تقديم أوراق اعتماده لجلالة الملك ... وأوفى الرجل بوعده، وتحصّل لي على قرار رئاسي بالسماح لي بدخول الأراضي السورية، إذ كان اسمي مدرجاً ولا أدري لماذا، على قوائم المطلوبين لثلاثة أجهزة أمنية كما أخبرني في حينه.
ولم تمض سوى أيام قلائل على تسلمي القرار الرئاسي خطياً، حتى بادرت بالسفر إلى دمشق، فقد كنت لا أطيق الابتعاد عن هذه المدينة التي أحببتها وقضيت فيها ردحا من حياتي ... فكانت لقاءات ودعوات من وزير الإعلام عدنان عمران ووزير الثقافة (منشق حالياً) وعدد من الإعلاميين والأصدقاء السوريين والفلسطينيين ... وطوال العامين اللذين سبقا اندلاع الأزمة، مررت بسوريا وزرتها مرات عديدة، وأحسب أنه لم يبق معبر بين سوريا وكل من الأردن ولبنان، لم أجتزه بسيارتي الخاصة خلال هذه الفترة القصيرة، وكانت لي فرصة التوسع في معرفة الشمال والساحل السوريين، فقلما كنت أذهب إلى هناك، زمن إقامتي في سوريا وتلكم مفارقة غريبة عجيبة.
مع اندلاع الأزمة السورية، بدا واضحاً أن ثمة افتراقا سياسيا جديدا يتشكل، هذه المرة ليس على خلفية العلاقات الأردنية السورية، وإنما على خلفية السياسات والممارسات التي يعين اتباعها لإدارة الأزمة والتعامل معها ... وأحسب أن بعض ما قلته وكتبته على امتداد سنيّ الأزمة الثمانية، كان يغضب الإخوان في دمشق، لكن بعضه الآخر، ربما كان يطربهم، خصوصاً حين كنت أتصدى لبعض دول الإقليم والدول العربية، التي كان لها إسهام نشط في تصعيد الموقف وتدمير البلاد والعباد، ونشر التطرف والغلو والإرهاب، تحت يافطة المعارضة والتغيير.
إلى أن اتصلت بي قبل يومين زميلة من موقع إخباري تسألني تعليقي على ادراج اسمي في قائمة المطلوبين للأجهزة الأمنية السورية، والتي تضم ما يقرب من التسعة آلاف اسم ... لم أكن أعرف عن القائمة، ولا عن اسمي المدرج فيها، وتشككت في صحتها وصدقتيها، وما إن كانت قديمة أم جديدة، ولكن من يعلم، فقد علمتنا التجربة أن نغلب الحيطة والحذر على تقديراتنا المتفائلة وتفكيرنا الرغائبي، بل وأن نقمع رغبتنا في زيارة ما نحب ومن نحب من بلدان ومجتمعات شقيقة وصديقة، خشية أن تكون زيارتنا الأخيرة ...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بمناسبة «قائمة المطلوبين» بمناسبة «قائمة المطلوبين»



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya