السيناريو الأكثر واقعية تسوية بلا مفاوضات

السيناريو الأكثر واقعية: تسوية بلا مفاوضات

المغرب اليوم -

السيناريو الأكثر واقعية تسوية بلا مفاوضات

بقلم - عريب الرنتاوي

تنهمك المعارضة السورية في بحث صاخب حول مصير الأسد، وما إذا كان يتعين عليه أن يتنحى قبل بدء المفاوضات أم عند بدء العملية الانتقالية ... لا أحد من قادة المعارضة يبدي قدراً من الاستعداد للعيش أو التعايش مع الأسد بعد ذلك بيوم واحد ... هذا الجدل سيستمر بعض الوقت، لكن أحداً لم يعد يهتم بمتابعته، سوى رجل واحد، إنه ستيفان ديمستورا، فوظيفة الرجل وسبب حضوره السياسي والإعلامي، إنما يرتبطان أشد الارتباط بتنظيم موائد الحوار في جنيف، سواء بين المعارضات المحتربة ذاتها، أو بينها وبين النظام.
بعيداً عن  ثرثرات المعارضة في اجتماعاتها الماراثونية التي أخفقت في توحيد الصف ولم الشمل، يبدو أن مساري أستانا وجنيف بدورهما قد تحولا إلى قنوات مفرغة من أي مضمون أو عمل جدي، تلتقي الوفود ويلتئم شمل الاجتماعات والمجتمعين، فيما المفاوضات الجوهرية تجري في مكان آخر، وعبر قنوات ثنائية ومتعددة، وغالباً خلف أبواب موصدة في واشنطن وموسكو وبدرجة ثانية من حيث الأهمية، في طهران وأنقرة.
مسار أستانا ابتلع مسار جنيف، ويكاد يحل محله، أما وظيفته فتجزئة الأزمة السورية إلى مجموعة من الأزمات المتجاورة والمتراكبة، لكل منها ديناميكيته ولاعبيه المختلفين ... وإذ قيل إن مناطق خفض التصعيد، ستمهد طريق الحل السياسي الشامل للأزمة السورية، إلا أن المجريات على الأرض توحي بخلاف ذلك، فقد أصبحت هذه المناطق، هي الحل بذاته ... واشنطن وبعض حلفائها يراهنون على الأثر الذي يمكن أن تحدثه هذه الترتيبات في تشكيل صيغة الحل النهائي ... أما دمشق وحلفاؤها، وبالأخص موسكو، فيراهنون كما بات يتضح على “تذويب” المعارضات والفصائل المسلحة تدريجياً، تبدأ المسألة بوقف لإطلاق النار، وتنتهي بتسويات وترتيبات و”تصويب أوضاع”، قبل أن تلتحق هذه المناطق بما فيها ومن فيها، بركب المركز والسلطة في دمشق.
وكلما انقلبت موازين القوى في سوريا لصالح النظام وحلفائه كما يجري الآن على نحو متسارع،  زادت فرص تحول مناطق خفض التصعيد إلى مكونات للحل النهائي، وكلما تعاظمت فرص إذابتها في إطار “الدولة/ السلطة” السورية، وكلما فقدت تدريجياً عناصر استقلالها ووظيفتها كأداة للضغط من أجل صيغة أكثر توازناً للحل النهائي، وربما هذا ما يفسر أن أكثر من صحيفة ومركز أبحاث ومسؤول غربي سابق، لم يترددوا في البوح عمّا يجول في دواخلهم من هواجس وتقديرات: “انتصر الأسد”.
الجبهة الجنوبية تنهض كشاهد على كيفية تحول مناطق خفض التصعيد، إلى مساحة مفتوحة لتقدم الجيش والنظام في مناطق سيطرة المعارضة، بعض الإجراءات التي يجري ترتيبها سواء بوساطة من عمان، أو بدور فاعل من مركز حميميم، توحي بغلبة سيناريو “عودة الابن الضال”، والمعروض على الفصائل المسلحة، التي طالما صنفت بالمعتدلة ذات يوم، ليس سوى صفقة مذلة في أقل وصف، وفقاً لما ورد من تسريبات، فالأوامر صدرت بالانسحاب إلى الخطوط الخلفية، خارج سوريا، وترك العائلات في معسكرات اللجوء والنزوح، وفي مهلة لا تزيد عن 48 ساعة، تحت طائلة ضياع آخر الفرص، وما ينطبق على الجبهة الجنوبية، يبدو مرشحاً للترجمة في مناطق الغوطة الشرقية وأطراف حمص، وربما في إدلب في مرحلة لاحقة، مع اختلاف في شكل الإخراج الفني للصفقات والتسويات المنتظرة.
ما الذي سيتبقى لمسار جنيف، بعد أن نجح النظام في غضون أشهر معدودات في استرداد أكثر من 80 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، وبات اللون الذي يرمز لوجوده، يغطي معظم مساحة سوريا، المفيدة منها وغير المفيدة ... ما الذي سيقنع النظام وحلفاءه، بأن يدخل في نقاش عقيم حول مستقبل رئيسه، وهو الذي بالكاد سيمنح المعارضة “تعديلاً وزارياً” موجهاً بالأساس لاستيعاب بعض رموز منصتي موسكو والقاهرة في الوزارات الخدمية، لا أكثر ولا أقل، ودائماً بعد تسوية أوضاعهم وتصويبها.
ما أن تضع الحرب على داعش أوزارها، وهذا أمر يبدو وشيكاً، ويفرغ الثلاثي التركي – الإيراني – الروسي من إنجاز ملف إدلب، حتى لا يعود للمعارضات السياسية والمسلحة، موطئ قدم على الأرض السورية ... هنا يبقى الملف الكردي بحاجة لكثير من الوقت والجهد والترتيبات الخاصة ... المفاوضات الحقيقية – للمفارقة – ستكون بين النظام وأكراد سوريا، هؤلاء الذي أخرجتهم المعارضة من مظلتها، وحيل بينهم وبين مساري جنيف وأستانا، إرضاءً لأنقرة لا غير، أما بقية المكونات، فمصيرها “التسويات وتصويب الأوضاع” أو مصير داعش والنصرة، هكذا يتطور السيناريو الأكثر ترجيحاً لحل الأزمة السورية.
لن يستطيع النظام مهاجمة مواقع الأكراد وطردهم بالقوة من مناطق واسعة سيطروا عليها، فهذه آخر ورقة لواشنطن في سوريا، وهي لم تقدمها لحليفها التركي برغم إلحاحه الشديد، والمؤكد أنها لن تقدمها للخصم السوري، ولن تجد دمشق الدعم الكافي من حليفها الروسي في هذه المهمة، بل قد تجابه الكثير من المصدات والكوابح الروسية ... المشكلة الكردية في سوريا بحاجة لحل سياسي – تفاوضي، والأرجح أنها المفاوضات الجدية الوحيدة التي سيضطر النظام لإجرائها مع خصومه المحليين، وهي مفاوضات ستصطدم بعوائق ومصاعب عديدة، تعود في معظمها إلى جموح الطموحات الكردية من جهة، و”المركزية القومية الشديدة” التي هيمنت على مواقف وسياسات حكومات وأنظمة وأحزاب ومثقفين عرب طوال سنوات وعقود ماضية عديدة.
باستثناء المفاوضات مع كرد سوريا، قد تجد الأزمة السورية طريقها للحل من دون مائدة مفاوضات جدية... ستظل الموائد منصوبة في أستانا وجنيف، لكن اللاعبين الجديين في الأزمة السورية، لا يكشفون أوراقهم هناك، ولا يجرون الصفقات والتسويات على مقربة من هاتين المدينتين... أما المعارضات بمنصاتها الثلاثة، فقد أخفقت في التقاط رسائل الوزير عادل الجبير، ولم تنتبه لكلمة مر عليها في “نصيحته” لهم: توحدوا وكونوا واقعيين قبل أن يتجاوزكم قطار الأحداث ... هنا نتذكر صيحة علي عبدالله صالح الشهيرة: فاتكم القطار، في حديثه لملايين اليمنيين المحتجين على حكمه، قبل أن تتدخل “المبادرة الخليجية” لإنقاذه ... يبدو أن قطار الحل قد فات المعارضة السورية هذه المرة، بعد أن مر بسرعة في مدن وبلدات سورية عديدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيناريو الأكثر واقعية تسوية بلا مفاوضات السيناريو الأكثر واقعية تسوية بلا مفاوضات



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya