عباس ينجح في امتحان «النأي بالنفس»

عباس ينجح في امتحان «النأي بالنفس»

المغرب اليوم -

عباس ينجح في امتحان «النأي بالنفس»

بقلم - عريب الرنتاوي

نجح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تحييد “ملف المصالحة الوطنية” عن التجاذبات والاستقطابات الإقليمية، التي كان يمكن لها، أن تعصف بهذا المنجز المنتظر طويلاً، وذلك برغم الضغوط الاستثنائية التي تعرض ويتعرض لها، حتى أن إدارته للأزمة باتت موضع مقارنة من قبل بعض الأوساط اللبنانية التي تابعت بقلق وتوتر، محاولات إدخال لبنان في جحيم “الفوضى غير الخلاقة”.
وأمكن لجملة عوامل تظافرت مجتمعة، في تمكين الرئيس من تحصين هذا المنجز في وجه رياح الإقليم العاتية، منها أربعة عوامل على سبيل المثال، لا الحصر: الأول؛ ان للقضية الفلسطينية وهجها الخاص، الذي ما زال مشعاً برغم محاولات البعض منّا ومن غيرنا، إطفاء هذا الوهج، وتحويل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى مجرد صراع آخر من الصراعات التي عصفت وتعصف بالمنطقة، وأكلت وما زالت تأكل أخضرها ويابسها.
والثاني؛ أن المصالحة ما زالت على الرغم من التحفظات الكثيرة المحيطة بها من قبل أطراف فاعلة إقليمياً ودولياً، متطلباً ضرورياً يسبق بلورة مبادرة ترامب ويمهد لإطلاق “صفقة القرن”، والتي تقول “نيويورك تايمز” أنها باتت وشيكة، وقد يجري البوح عنها مطلع العام المقبل، إن لم يكن نهاية العام الجاري.
والثالث؛ أن المصالحة الفلسطينية ما كان لها أن تتم، من دون وساطة نشطة من قبل مصر، وضعت خلالها الدبلوماسية الرئاسية وجهاز المخابرات العامة، ثقليهما كاملين من أجل تحقيق هذا المنجز، الذي عُدّ من قبل مراقبين بداية تعافي لدور مصر الإقليمي بعد طول غياب أو تغييب، ما يعني أن أية محاولة للعبث بهذه المصالحة، ومن أي طرف جاءت، ستكون بمثابة ضربة لمصر في حديقتها الخلفية، وليس للرئيس الفلسطيني أو لحركة حماس فحسب.
رابعاً؛ أن الساحة الفلسطينية، بخلاف الساحة اللبنانية، وعلى الرغم من التدخلات الإقليمية والعلاقات بين دول الإقليم النافذة وبعض الفصائل والمجموعات الفلسطينية، لم تتورط بعد في حالة استتباع وفقدان لاستقلالية القرار، كما تجلت هذه الحالة في لبنان، وتفاقمت على مدى سنوات وعقود عديدة، إذ حتى أقرب أصدقاء الحواضر الإقليمية الكبرى من الفلسطينيين، ما زالوا يظهرون قدراً عالياً من الحرص على استقلالية قرارهم، وعمق التزامهم الوطني.
لكن هذا النجاح التكتيكي الذي يسجل للرئيس الفلسطيني، لا يعني أن الساحة والمصالحة الفلسطينيتن قد بلغتا شاطئ الأمان ... فثمة تحديات ما زالت ماثلة على طريقهما، وقد تتهددانها في قادمات الأيام، نكتفي بذكر ثلاثة منها: (1) التحدي الماثل في مبادرة ترامب و”صفقة القرن”، هنا وهنا بالذات، قد تتعزز المصالحة وقد ينقلب المشهد رأساً على عقب، فالتكهنات التي تتطاير حول مضامين المبادرة لا تبشر بالخير، والتساوق معها أكثر فداحة وخطورة على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني من التصدي لها، وبيد الفلسطينيين، وبيدهم وحدهم، أمر تحويل المصالحة إلى حصان طروادة لتمرير مشروع ترامب، او جعلها أداة ورافعة لتحصين البيت الفلسطيني الداخلي وتصليب مقاومته ... هذا ما قلناه مراراً وتكراراً، وهذا ما نعيد التأكيد عليه اليوم.
(2) ويتجلى في سعي حماس لترميم جسورها مع محور بعينه، محور طهران – دمشق – الضاحية الجنوبية، فيما يجري وصفه بـ “عودة الابن الضال” ... مثل هذا المسعى يمكن أن يكون مفهوماً ومحتملاً إن ظل في حدود تنويع التحالفات والعلاقات الإقليمية، ولكن حين يصبح انخراطاً في محوراً وتساوقاً مع اجندته الإقليمية وجدول اولوياته، وفي الظرف الإقليمي الملتهب من حولنا، قد يجعل قدرة الرئيس والقيادة الفلسطينية على مقاومة الضغوط، محدودة للغاية، وقد يضع المشروع الفلسطيني باكمله في مهب التجاذبات الإقليمية و”الخيارات الصفرية” التي يجري العمل بروحها بين عواصم الإقليم المشتبكة فيما بينها ... على حماس أن تساعد الرئيس لكي يتمكن من مساعدتها في اجتياز لحظة حرجة، وحفظ سقف البيت الفلسطيني من التشقق و”التسريب”، ودائماً على رؤوس الجميع من دون استثناء.
(3) قدرة الفصيلين الرئيسين على التقدم حثيثاً على طريق معالجة المشكلات العالقة، وأكثر المشاكل الجوهرية التي تسببت بالانقسام وتعمقت بسببه، ما زالت عالقة، فلا يكفي أن تسلم المعابر والوزارات ليقال أن المصالحة تحققت، وحالة “التساكن” بين فتح وحماس، مهددة بالانفجار إن لم يجر الانتقال من المصالحة إلى الوحدة وإعادة بناء أدوات ومؤسسات وأطر العمل الوطني الفلسطيني، ولا أقول النظام السياسي الفلسطيني، فأي نظام سياسي يمكن بناؤه تحت الاحتلال والحصار، وأية سلطة يمكن الرهان عليها، وهي المجردة من أية سلطة؟
ما حصل حتى الآن، بدءاً  من القاهرة مروراً بآخر زيارة للرئيس الفلسطيني إلى الرياض، يكمل بعضه بعضاً، ويشي بديمومة مسار المصالحة الوطنية، وتفعيل الخيار الفلسطيني المستقل ... لكن من السابق لأوانه القول بأن الفلسطينيين كسبوا معركة تحييد قضيتهم وساحتهم، مثلما هو من المبكر إطلاق صيحات التفاؤل ببلوغ المصالحة ضفافاً آمنة، وسلوكها طريقاً ذي اتجاه واحدة، لا عودة فيها ولا عنه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عباس ينجح في امتحان «النأي بالنفس» عباس ينجح في امتحان «النأي بالنفس»



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya