جريمة السفارة أبعد من الرابية

جريمة السفارة... أبعد من الرابية

المغرب اليوم -

جريمة السفارة أبعد من الرابية

بقلم - عريب الرنتاوي

منذ انتهاء العرض المسرحي، الوقح والاستفزازي، الذي تولى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي دور البطولة إلى جانب قاتل الفتى والطبيب الأردنيين، لم تعد تفصيل ما جرى في السفارة أمراً مهماً، فالواقعة على مأساويتها، لم تتحول إلى أزمة في العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، إلا بعد اجتياز طاقم السفارة جسر الملك حسين، وما أعقبه من احتفال استعراضي بالمجرم.

ويمكن للمراقب رصد تطور الموقف الأردني على مرحلتين، الأولى حين كانت الجريمة محصورة في مجمع السفارة في الرابية، وقد اتسم بالضعف والارتباك، بل ومال لتحميل الفتى الأردني المسؤولية الجرمية عن الحادث، ونظر إلى مقتل الطبيب صاحب العقار، بوصفه قضاء من الله وقدره ... والثانية، عندما شرع بينيامين نتنياهو بتوظيف الحادث لبناء «مجد شخصي» على حساب دماء الأردنيين، وبصورة اتسمت بالاستفزاز واستبطنت الإهانة وحملت كل معاني الغطرسة والاستعلاء والاستكبار، ضارباً عرض الحائط بكل ما اتفق عليه مع الجانب الأردني ... هنا دخل الموقف الأردني مرحلة جديدة، بدأت معالمه تتضح مع زيارة رئيس الديوان الملكي إلى بيت عزاء «الدوايمة»، ليتوج بزيارة الملك شخصياً إلى بيت العزاء، والتصريحات التي أدلى بها في اجتماع مجلس السياسات.

بين الزيارتين، كان وزير الخارجية يلخص موقف الأردن ومطالبه: الاعتذار للشعب الأردني وتقديم القاتل للعدالة، مع كل ما يتطلبه الأمر من تبعات، باعتبار ذلك شرطاً للسماح بعودة طاقم السفارة لمزاولة أعماله في عمان ... سلوك نتنياهو الاستعلائي المتغطرس، كان سبباً في انتقال الموقف الأردني الرسمي من التبرير والدفاع، إلى الهجوم والاتهام،  وعلى أرفع مستوى على الإطلاق.

هي إذن، أزمة جديدة في العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، سيعمل نتنياهو على احتوائها ما أمكن، وسيحاول أن يفعلها بأقل قدر من «التنازلات»، وسيستخدم لهذا الغرض، موقع إسرائيل ونفوذها، خصوصاً في واشنطن، والرجل كما هو معروف، سريع التراجع والتهافت، عندما يدرك أن الثمن الذي يتعين دفعه أكبر من أن يحتمله «مستقبله السياسي» أو حساباته الشخصية الانتهازية الرخيصة ... لقد فعلها سابقاً في العام 1997، بعد فشل محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، وهو يفعلها باستمرار في سوق المساومة والنخاسة الإسرائيلي الداخلي.

من السابق لأوانه الجزم بالكيفية التي ستنتهي فيها هذه الأزمة الثنائية ... لكن بعد دخول الملك على خط الجدل الوطني حولها وما أدلى به من مواقف وتصريحات، وبعد وصفه الطفل الدوايمة بـ «ابني» وتعهده باسترجاع حقه وعدم السماح بأن تذهب دماء الأردنيين هدراً، بات من الصعب تصور أي حل لهذه الأزمة من دون تقديم الاعتذار ودفع التعويض اللازم، ومحاكمة القاتل بصورة جدية، تتخطى المحاكمات الصورية التي اعتادت إسرائيل إجراءها في حالات مشابهة.

ستنتهي هذه الأزمة، بطريقة من الطرق، فلا إسرائيل بوارد التفريط بعلاقاتها مع عمان، ولا الأردن بوارد تغيير المقاربة والمسار في علاقاته مع إسرائيل، وقد يطول الزمن أو يقصر، قبل أن يعاود طاقم السفارة عمله في مجمع الرابية، ويعلن الجانبان عن إغلاق هذا الملف.

لكن الأمر الأخطر والأبعد الذي تكشفت عنه الأزمة، ويتعين إدراجه في عداد «الدروس المستفادة»، يتعلق بما دار داخل إسرائيل من سجالات وحوارات، وما تكشفت عنه من مواقف وتوجهات ... هنا يجب النظر إلى أزمة السفارة بما يتعدى «الرابية» وما شهدناه بعدها من مظاهر استفزازية انفرد نتنياهو بدور «البطل/المهرج» فيها جميعها.
إذ مقابل أصوات كثيرة انتقدت نتنياهو وحملته مسؤولية الأزمة، بل وكشفت عن الدوافع الاستعلائية والعنصرية التي حكمت سلوك رجل الأمن ورئيس الحكومة الإسرائيليين، برزت مواقف تدعو لـ «إعادة تربية الأردنيين» و»إعادة النظر في الرعاية الهاشمية للأماكن المقدسة»، وتضع العلاقة الأردنية الإسرائيلية في قالب استعماري، تقوم بموجبه إسرائيل بحماية الأردن ورعاية أمنه ودعم اقتصاده، مقابل سلام لم ترتفع درجة حرارته بما يكفي.

الأهم والأخطر في هذه الأزمة، الذي يتعين على صناع القرار في عمان إدراكه تمام الإدراك، أن العلاقات الأردنية – الإسرائيلية على المديين المتوسط والبعيد، سائرة نحو مزيد من التأزم ... الصدام الأردني – الإسرائيلي حتمي على محورين، في ضوء الصعود المتسارع لنفوذ وتأثير قوى التطرف القومي والديني في إسرائيل، ولوبي المستوطنين الذي بات حزباً حاكماً، فضلاً عن كونه مبثوثاً في بقية مكونات الخريطة السياسية والحزبية الإسرائيلية.

المحور الأول، محور الرعاية الهاشمية للأقصى والمقدسات، حيث أخذت إسرائيل تضيق ذرعاً بهذه الرعاية، وتنظر إليها كعقبة على طريق تنفيذ مشاريع «الأسرلة» و»التهويد» ... أما المحور الثاني، فساحته عملية السلام و «حل الدولتين»، حيث تعمل إسرائيل على تدمير أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، ما يبقى مصير ثلاثة ملايين فلسطينية في الضفة الغربية، معلقاً بانتظار إيجاد معادلة يكون للأردن فيها دور «المستوعَب» لفائض الديموغرافيا الفلسطينية، أياً كانت صيغ الحلول ومسمياتها.

وإذا كان التقدير/التحليل صحيحاً، والمؤكد أنه صحيح، فإن من الحصافة الاستعداد لجولات قادمة من الصراع الأردني – الإسرائيلي، وانتظار المزيد من الأزمات في العلاقة الثنائي، الأمر الذي يطرح سؤالاً ثانياً على الفور: وهل من الحصافة أن ننخرط في مشاريع استراتيجية (مياه وطاقة) تزيد من اعتمادية الأردن على إسرائيل، في الوقت الذي تنتظر العلاقات صولات وجولات من المواجهة والتأزم؟

ثم ماذا عن «حكاية التنسيق الأمني» وحاجة الأردن الماسة لهذا التعاون مع إسرائيل، تلك المسألة التي لا تكف المصادر الإسرائيلية عن ترديدها للقول بأن الأردن لن يجرؤ على الفكاك عن إسرائيل، ولن يقامر بعوائد التنسيق الأمني مع تل أبيب، لست على بينة مما يدور في هذا الحقل تحديداً، لكن المؤكد أن «عوائد هذا التنسيق» لا تتدفق باتجاه واحد فقط، وإن إسرائيل، أكثر من الأردن، تستفيد منه، باعتراف بعض مصادرها على أقل تقدير.

يبقى الملف الأهم الذي يخيم على فضاء هذه العلاقات، دون أن يندرج مباشرة على جدول أعمالها بالضرورة، واعني به ملف العلاقة الأردنية مع الولايات المتحدة، الشريك الدولي الأهم للأردن، والتي ستتأثر سلباً أو إيجاباً بأي تطور على مسار العلاقات الأردنية – الإسرائيلية، سيما بعد أن بات معروفاً، بأن الطريق الأقصر والأسرع إلى واشنطن، تمر بالضرورة بتل أبيب، وهذا ملف يستحق بحثاً مستقلاً على أية حال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة السفارة أبعد من الرابية جريمة السفارة أبعد من الرابية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya