الأردن والمثلث السوري – العراقي  الإيراني

الأردن والمثلث السوري – العراقي - الإيراني

المغرب اليوم -

الأردن والمثلث السوري – العراقي  الإيراني

بقلم : عريب الرنتاوي

تتكشف "حادثة المفرق"، وما رافقها من "تبادل" حرق الصور وملاسنات إعلامية، عن دلالتين اثنتين:
الأولى؛ أن الجرف المذهبي الذي يقسم الإقليم شطرين متحاربين، لن تبق دولة أو مجتمع بمنأى عنه، بمن فيها تلك المنسجمة مذهبياً، من حيث تكوينها المذهبي والطائفي (كما هو الحال في الأردن)، وأن الخطاب الرسمي في هذا المضمار، يزيد الطين بلّة، بدل أن يسهم في إطفاء الحرائق، وأن مفاعيل "رسالة عمان" سرعان ما تتبخر في الهواء، عند أول تصريح أو بيان يصدر من هنا أو هناك.

والثانية؛ أن الدبلوماسية الأردنية تسعى في التوفيق بين أمرين لا يمكن الجمع بينهما، رغبنا في ذلك أم لم نرغب: أفضل العلاقات مع العراق، مع كل ما تستبطنه من رهانات استراتيجية في مجالات التجارة والطاقة والنقل وغيرها، وأسوأ العلاقات مع إيران، وصولاً لسحب السفير من طهران واستدعاء سفيرها في عمان، وما سبق ذلك ورافقه وأعقبه، من ردود أفعال سياسية وإعلامية، رسمية وشعبية.

شئنا أم أبينا، فإن "عراق ما بعد صدام حسين"، تحول من سدٍ في وجه الأطماع الإيرانية ومحاولات تصدير الثورة، كما كان يُقال طوال ثمانينات القرن الفائت، إلى جسر لعبور النفوذ الإيراني وامتداده من "قزوين" إلى "شرق المتوسط" كما يقال اليوم، ويجري التعبير عنه، تارة بالتحذير من "هلال شيعي" وأخرى بالتنبيه إلى خطورة "الجسر البري الإيراني" الذي يصل طهران بالنبطية مروراً ببغداد ودمشق... وما ينطبق على العراق بدرجة معينة، ينطبق على سوريا بالدرجة ذاتها، خصوصاً بعد مرور سنوات ست عجاف من عمر الأزمة السورية المحتدمة.

لقد بنت إيران لنفسها منازل كثيرة في سوريا والعراق، داخل مؤسسات الدولية وأجهزتها وخارجها، وهي تحتفظ لنفسها بكيانات سياسية (عسكرية وشبه عسكرية) تأتمر بإمرتها، وفوق هذا وذاك، وتحديداً في الحالة العراقية، فإن الغالبية الشيعية في العراق، ستظل توفر لإيران، موطئ قدم، أو "حديقة خلفية" كما يحلو للبعض وصف الحالة، من الآن، وحتى إشعار آخر ... وسواء حصل ذلك، بتنسيق مع واشنطن أو تواطؤ منها، أو بفعل أخطائها ورغماً عن أنفها، فإن النتيجة في مطلق الأحوال تبقى هي ذاتها.

يعني ذلك من ضمن ما يعني، أن إيران وأصدقاءها وحلفاءها، باتوا يحيطون بالأردن من شماله وشرقه ... إيران كما روسيا والولايات المتحدة، باتت دولة حدودية مع الأردن، أمر يظهر في تصريحاتنا ومواقفنا بوصفه تهديداً تتعين مواجهته، من دون أن تكون لمؤسسات صنع القرار لدينا، استراتيجية واضحة حول كيفية التعامل مع هذا التهديد، حتى أنها باتت تقدم على فعل الشيء ونقيضه.

من آيات ذلك، أن الأردن احتفى قبل بضعة أشهر (وعلى أرفع المستويات)، بمقدم وفد عراقي رفيع المستوى، ضم قادة ممثلين للكيانات الشيعية الرئيسة والمتنفذة في عملية صنع القرار العراقي، معظم هؤلاء، إن لم نقل جميعهم، يرتبطون "عضوياً" بمرجعيات شيعية، في إيران والعراق وغيرهما، يصعب عليهم رؤية صور هذه المرجعيات وهي تُحرّق أو تداس بالأقدام، حتى وإن صدر هذا الفعل عن فرد أو مجموعة أفراد، وسارعت الحكومة للتنصل منه رسمياً ... لا يمكن للعلاقة مع العراق، أن تتطور على النحو الذي يريده الأردن ويتطلع إليه، في ظل استمرار وتفاقم حالة العداء مع إيران.

وبديل حالة "العداء الشديد"، ليست "الصداقة الحميمة" بالضرورة، فثمة منزلة بين المنزلتين، يمكن للدولة أن تستقر فيها، وأعني بها "تطبيع" العلاقات" وإن بحدها الأدنى، ومراقبة الظروف والتطورات التي تحيط بها... أما أن نبقى على "دورنا المبادر والريادي" في التصدي لإيران، ونتوقع أحسن العلاقات مع بغداد، فتلكم مقاربة عبثية لن تصل إلى مطرح.

قد ينجح الأردن، ومن خلفه حلف طويل عريض، عربي وإقليمي ودولي، أن يدفع بإيران وحلفائها إلى "مسافة أمان" عن حدوده الشمالية والشرقية، وتحديداً في سوريا، لكن القرار الاستراتيجي بشأن مستوى ومضمون العلاقات الثنائية التي تربط الأردن بالبلدين، لا يُتخذ في "الأشرطة الحدودية الآمنة" بل قلب عاصمتي البلدين ... هناك، في دمشق وبغداد، يتجلى الحضور الإيراني بأثقل صوره، وما نفع أن نقيم علاقة طيبة مع قوى محلية شرقاً وشمالاً إن كنا نتطلع للتجارة والتبادل وأنابيب النفط، ومن ثم الغاز ... الأشرطة الحدودية الآمنة، مهمة لإنجاز وظيفة أمنية مؤقتة، وتعمل كـ "وسائد أمنية" لردح من الوقت، أما العلاقات الثنائية في أبعادها الأعمق والأشمل، فتدار من المراكز وليس من الأطراف.

وثمة على المستوى الشعبي، من يقف متربصاً لأسباب إيديولوجية ومذهبية، يستظل بالحمية الوطنية والرغبة في الذود عن "كرامة" الأردن المهدورة بالتصريحات الإيرانية الرعناء ... لكنه في العمق، يسعى في تصفية حسابات مذهبية معروفة ومكشوفة، ولو أن تصريحات مماثلة، صدرت من عواصم أخرى، لما رأينا هؤلاء يستشيطون غضباً وحمية ذوداً عن الأردن وقيادته ... على "المؤسسة" الأردنية أن تدرك تمام الإدراك، أن ليس كل ما يبرق ذهباً.

لسنا على إحاطة بكل ما يدور في رأس صناع القرار في الدولة الأردنية، وليس لدينا ما لديهم من معلومات ومعطيات عن اتجاهات تطور الأزمتين السورية والعراقية... لكن في ضوء ما نعرف، وما يتوفر لنا من معطيات وتحليلات، فليس في الأفق القريب، بوادر نهاية النفوذ الإيراني في سوريا والعراق (بالأخص الأخير)، وعلى "المؤسسة" الأردنية، أن تقرر ما إذا كانت على استعداد للمجازفة بعلاقاتها مع بغداد نظير المضي قدماً في "ريادتها" للتصدي لإيران في المنطقة، أو أنها تود انتهاج مقاربة أكثر هدوءً مع إيران، على أمل تطوير العلاقات مع العراق، واستتباعاً سوريا في قادمات الأيام، فالصيف والشتاء، لا يلتقيان على سطح واحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن والمثلث السوري – العراقي  الإيراني الأردن والمثلث السوري – العراقي  الإيراني



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya