«بيان سوتشي» يجبُّ ما قبله وما بعده

«بيان سوتشي» يجبُّ ما قبله... وما بعده

المغرب اليوم -

«بيان سوتشي» يجبُّ ما قبله وما بعده

بقلم - عريب الرنتاوي

قلنا في وصف اتفاق أنقرة (مايك بنيس أردوغان) أنه «غامض» و»مفخخ»، أبقى معظم الأسئلة الجوهرية عالقة من دون جواب، لكأنه كان مطلوباً بذاته، ولمدة وجيزة، لا تتعدى المهلة الزمنية الممنوحة للأكراد للانسحاب وسحب الأسلحة الثقيلة من جيب راس العين، وبهدف تفادي انزلاق العلاقات التركية الأمريكي في أتون هاوية لا مخرج منها ... كان واضحاً أن الاتفاق بحاجة «لما بعده»، لكن، لا واشنطن كان لديها ما تضيفه، ولا أنقرة باتت في وضع يسمح لها بتطوير عملية «نبع السلام» والتوسع فيها، سيما بعد انتشار القوات السورية والروسية السريع في الجزيرة وعلى مقربة من الحدود، بموافقة القيادة الكردية وتحت وابل من شتائم المواطنين الكرد وحجارة أطفالهم.
بوتين، المتربص بواشنطن، كان على أتم الجاهزية للدخول على الخط ... لم ينتظر استكمال الانسحابات الأمريكية، كان يرسل دورياته لمرافقة القوات السورية العائدة لتلك المنطقة لأول مرة منذ سنوات سبع ... ما أن انتهى الانسحاب الأمريكي (أو يكاد) حتى اكتمل الانتشار الروسي – السوري ... بوتين كسب الرهان، ومعه الأسد، وطهران من خلفهما... قلنا بعد ذلك أن مفاتيح الأزمة في الشمال الشرقي لسوريا قد استقرت في جيب بوتين، وهذا ما اتضح بعد قمة سوتشي بالأمس، وعلى أكمل وجه.
محادثات الثماني الساعات، وبيان «النقاط العشر» المشترك، رسّمت «القيصر» لاعباً رئيساً في سوريا، وليس في شمالها الشرقي ... سحب من تركيا، أحلامها التوسعية، حين شدد البيان على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وأعاد علاقاتها الثنائية مع سوريا إلى مرجعية «اتفاق أضنة 1998»، أبقى لها مؤقتاً الجيب الممتد من رأس العين حتى تل أبيض، وبعمق 30 كم... هذا تطور مهم لسوريا التي باتت قواتها ترابط على حدودها مع تركيا وفي معظم مدن الجزيرة وشرق الفرات، وقُبل بدورها كشاهد على انكفاء «قسد» عن الحدود ... انتهت الأحلام الكبيرة بلا شك، والباقي مؤقت ويندرج في عداد التفاصيل.
لكن بوتين، وبخلاف ترامب الذي تهدد بتدمير الاقتصاد التركي واللجوء إلى القوة المسلحة مع ثاني أكبر قوة مسلحة في «الناتو»، كرر تفهمه لاحتياجات تركيا الأمنية وحرصه على «أمنها القومي»، وفي هذا البند، أعطاها كل ما تريد، ودائماً من جيب الأكراد وليس من كيس الدولة السورية ... الأكراد سينسحبون إلى عمق 30 كم في الداخل السوري وعلى امتداد الحدود، بما في مناطق في غرب الفرات (منبج وتل رفعت)، لكن تركيا لن تحل محلهم، الدولة السورية هي من سيحل محلهم، وبمواكبة روسية كاملة ... هنا، يبدو أردوغان رابحاً، والأسد كذلك، فقد انتفى – ربما إلى الأبد – حلم الانفصال عن الدولة السورية ... وحدهم الأكراد هم الخاسرون، وهم الخاسرون بامتياز.
ربحت دمشق «اتفاقية أضنة» بوصفها إطاراً لتنظيم العلاقة مع جارتها الشمالية ... لكن أنقرة ربحت كذلك في إدخال تعديلات على الاتفاقية، بحكم الأمر الواقع وليس في متنها أو نصوصها ... القوات التركية ستسير دوريات مشتركة مع روسيا بعمق 10 كم على امتداد الحدود من دون القامشلي.
فقدت تركيا حلمها في إعادة هندسة ديموغرافيا المنطقة، وإعادة توطين ملايين اللاجئين السوريين على أنقاض «الكريدور الكردي»، العودة الآمنة والطوعية، تتنافى مع منطق «التهجير والتوطين القسريين» ... لم تعد مسألة عودة اللاجئين قدراً، بل اختياراً ... وأسدل الستار على ميليشيات «الجيش الوطني» العميل لتركيا، بعد أن أسدلت وزارة الدفاع التركية الستار على عملية «نبع السلام»، مؤكدة انتفاء الحاجة لاستمرارها.
بوتين يلتقط طرف الخيط من مايك بينس، ويبني على الشيء مقتضاه، واتفاق سوتشي يجبُّ ما قبله (اتفاق انقرة)، وربما يجبُّ ما بعده كذلك: (قمة واشنطن) بين ترامب وأردوغان في الـ 13 من الشهر المقبل، إذ لم يعد للرجلين ما يتحدثان به فيما خص سوريا وأزمتها التي تكاد تطوي آخر فصولها في إدلب، وتلكم مسألة أخرى، سنعود إليها لاحقاً... «بيان سوتشي» جبَّ كذلك، المشروع الألماني بـ»تدويل» المنطقة الآمنة، وهو بهذا المعنى ينهض شاهدا على بطء أوروبا ويقظتها المتأخرة على دورها ومسؤولياتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بيان سوتشي» يجبُّ ما قبله وما بعده «بيان سوتشي» يجبُّ ما قبله وما بعده



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya