ما الذي تغير من الذي تغير

ما الذي تغير؟.. من الذي تغير؟

المغرب اليوم -

ما الذي تغير من الذي تغير

بقلم - عريب الرنتاوي

فجأة ومن دون سابق إنذار، يعلن الرئيس الأمريكي بنبرة «تهديدية» أن قطر دعمت «تاريخياً» الإرهاب، و»على أرفع المستويات، ملوحاً باتخاذ «موقف ضروري» إن لم ترتدع القيادة القطرية، وتعود إلى رشدها ... الموقف ذاته، عبّر عنه وزير خارجيته ريكس تيلرسون، وإن بنبرة دبلوماسية أكثر هدوءً.

السؤال الذي يقفز إلى الذهن ومن دون استئذان: أين كانت واشنطن بأجهزتها الاستخبارية والأمنية والعسكرية والسياسية والمدنية عن قطر طوال هذا الوقت، طالما أن صلاتها بالجماعات الإرهابية «تاريخية» و»على أرفع المستويات»؟ ... وهل يعقل أن تكون الإمارة الصغيرة، التي تربض فوق أرضها، قاعدتان عسكريتان، إحداهما «العيديد» من أكبر القواعد العسكرية خارج الأراضي الأمريكية، والثانية، «السيلية»، وهي قاعدة ذات شأن كذلك، قد تصرفت من تلقاء ذاتها، ومن دون تنسيق أو تشاور مع واشنطن؟ ...

هل كان الرئيس الأمريكي بحاجة لمن يخبره بأن قطر ترعى الإرهاب، من قادة الدول الذين التقوا به في القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية؟
إن كانت واشنطن لا تعلم شئياً عن الدور القطري في دعم الإرهاب، فتلك مصيبة بكل ما للكلمة من أبعاد، وإن كانت تعرف مسبقاً، وتشيح بوجهها عن ذلك الدور، فالمصيبة أعظم، وبكل المقاييس كذلك ... في كلتا الحالتين، ليس من تفسير للتحول في الموقف الأمريكي حيال قطر، أو بالأحرى، مساعي تبريره، سوى أنه عملية «استغفال» منظمة، يراد بها التغطية على التورط الأمريكي في دعم جماعات، تعتبرها اليوم إرهابية، وهي التي كانت بالأمس، موضع اهتمام ورهان من قبلها.
ما الذي تغير؟ أو من الذي تغير؟

أجزم بأن ما قامت به قطر من قبل وما تقوم به حتى يومنا هذا، لم يكن بعيداً عن أعين واشنطن، بل وما كان لهذه الإمارة الصغيرة، أن تضطلع بأدوار من دون ضوء أخضر أمريكي، حتى لا نقول من دون رضى أو توجيه أمريكيين مباشرين.

الذي تغير هو الموقف الأمريكي، تأسيساً على نتائج الانتخابات الأمريكية ومجيء إدارة دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض، حيث بات يتضح أكثر من ذي قبل، أن الولايات المتحدة في عهد الإدارة الجديدة، لم تعد تتبنى المواقف ذاتها، من جماعات الإسلام السياسي، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين وحركة طالبان وحركة حماس وغيرها عموماً.

قبل ترامب، وطوال سنوات الربيع العربي وقبلها، أي طيلة الفترة التي قضاها باراك أوباما في البيت الأبيض، كان للإدارة الأمريكية موقفاً مشجعا على إدماج حركات الإسلام السياسي في العمليات والنظم السياسية الجارية في المنطقة، وكانت واشنطن تعتمد على «وكلاء» عديدين، للقيام بمهمة تكييف هذه الحركات وتهيئتها لهذا الدور، ولقد لعبت قطر دورها بكفاءة عالية، فهي نجحت في استقطاب قيادات الإخوان المسلمين، وفتحت ذراعيها لقيادات حماس، وتمتعت طالبان بمكاتب ذات طبيعة دبلوماسية، فوق العادة، في الدوحة... واشنطن لم تكن بعيدة عن هذا المسعى، بل هي من شجعه وحض عليه وحاول توظيفه، فعلاقة الإخوان بواشنطن  شهدت ثلاث سنوات «عسل» قبل الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي، والحوارات الأمريكية –الطالبانية، كانت تجري في الدوحة.

أما علاقات قطر بحماس، فكانت تتم تحت أنظار إسرائيل وأسماعها كذلك، وكل شاحنة مساعدات أو مبلغ من المال، او زيارة كانت تقوم شخصية قطرية لغزة، بما في ذلك زيارة أمير البلاد السابق للقطاع في 2012، كانت تتم بالتنسيق مع إسرائيل، وليس بالضد من إرادتها، وقد اعترفت قطر بذلك مرات عدة... وكان المطلوب من قطر، امريكياً على الأقل، «تدوير الزوايا» الحادة في مواقف هذه الجماعات، والعمل على إدماجها في العمليات والنظم السياسية الجارية في بلدانها.

اليوم، يبدو المشهد من واشنطن مختلفاً تماماً ... نحن أمام إدارة لطالما باحت بمواقف مناهضة للإسلام والمسلمين جميعاً لا على التعيين، وهي لا تحتفظ بأي ود ظاهر تجاه أي من الحركات الإسلامية، بل وتعتبرها حركات إرهابية بامتياز ... واشنطن هي التي تغيرت، وهي التي اقتربت من الرياض والقاهرة وأبو ظبي والمنامة، وليس العكس... وربما تكون الصفقات الفلكية التي أبرمها ترامب في أولى جولاته الخارجية، قد سرّعت انتقاله ويسرت قبولهلروايات محدثيه ومضيفيه، لكن المؤكد أن مقاربة الرجل تختلف عن مقاربات أسلافه، وتحديداً باراك أوباما ... وسيتعين الآن على قطر دفع أثمان هذا «الانقلاب» الكبير في المقاربات الأمريكية، وسيأتي الثمن باهظاً بالقدر الذي كانت فيه الحماسة القطرية متأججة للقيام بأدوار كهذه، ظناً منها أن هذا سيوسع مظلة دورها الإقليمي، وبحماية أمريكية سياسية وعسكرية.

لتنتهي قطر إلى مآلات لطالما حذرنا منها، عندما كنا نقول ونكرر أن القول: إن صداقة واشنطن الفائضة عن الحاجة، ربما تكون أكثر كلفة من عداوتها الفائضة عن الحاجة كذلك ... قطر ضحية الشق الأول من المعادلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الذي تغير من الذي تغير ما الذي تغير من الذي تغير



GMT 00:09 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الأوروبي ... أوهام ديغولية

GMT 04:42 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عن التيار المدني، بشقية المحافظ والعلماني

GMT 04:40 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اليمن بين الإنسانية والسياسة

GMT 11:28 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن الإقليمى و«مصالح أهل المنطقة»

GMT 09:07 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محاولة لفهم «ترامب»

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"

GMT 22:37 2017 الإثنين ,16 كانون الثاني / يناير

"بنات خارقات" يجمع شيري ويسرا وريهام على MBC مصر

GMT 23:37 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

"سابع جار" للممثلة هيدي كرم قريبًا على CBC
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya