مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين؟!

المغرب اليوم -

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين

بقلم - عريب الرنتاوي

عبثاً تسعى حركة حماس في تجريد “تفاهماتها” مع العقيد المنشق محمد دحلان من مضمونها السياسي، وعبثا أيضاً يحاول أنصار الرجل، سيما “المؤلفة جيوبهم” منهم، في تقديم هذه “التفاهمات” بوصفها “مصالحة وطنية” ... التفاهمات وإن بدت في ظاهرها تسويات ومصالحات مجتمعية، إلا أنها شفّت وتشف عن جوانب سياسية لا تخطئوها العين المجردة ... وهي – التفاهمات – وإن أدرجت في سياق المصالحة الوطنية الفلسطينية، إلا أنها تصب الحب صافياً في خانة تكريس انشقاقين: انشقاق حماس عن الحركة الوطنية ومنظمة التحرير، وانشقاق دحلان عن حركة فتح وسلطتها الوطنية، وكل فريق منهما يستقوي بالفريق الآخر في صراعهما ضد الخصم (العدو) المشترك في رام الله.

ويحتاج المرء لقدر هائل من الوعي بالبراغماتية (حتى لا نقول الانتهازية) لفهم ما حصل ... حماس صاحبة “برنامج المقاومة الإسلامية” تأتلف مع الشخصية الأبرز في صفوف أعداء هذا البرنامج، وبينها وبينه نهر من الدماء ... حماس المحسوبة على تيار الإخوان، سواء انفصلت عنه تنظيمياً أم لم تنفصل، تتحالف مع “رأس حربة” المحور الإقليمي الأشد عداوة لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة: الإمارات ومصر.

في المقابل، لا ندري كيف نجح دحلان في إقناع رعاته الإقليميين بالاستثمار في مشروع المصالحة مع حماس، وهو استثمار يتخطى الملاءة المالية للرجل مع أن الشائعات بشأنها كبيرة، بل وكبيرة جداً ... كيف أمكن للعواصم المعادية للإخوان القبولبمد طوق النجاة لحماس التي تختنق بغزة (وغزة تختنق بها)؟ ... هل هي محاولة لمدرأس جسر لعبور القطاع لاختراق القلعة من الداخل في استرجاع معاصر لحكاية “حصان طروادة”، أم أن الأمر برمته يندرج في سياق الصراع الإقليمي الرامي تقليم أظافر وتجريدها من أي ورقة بحوزتها، ومن بينها ورقة حماس؟

لو كنت موهوباً في رسم الكاريكاتير لجسدت يحي السنوار ومحمد دحلان يمدان يُمناهما للمصافحة، ويخبآن يسراهما خلف ظهريهما، وهما تمسكان بمسدسين أو خنجرين، لكني لست كذلك والحمد الله على أية حال ... لكن هذه العلاقة المثقلة بتاريخ السنوات العشرين الفائتة، محفوفة بقيود وأثقال تجعل من الصعب على المرء أن يتخيل مستقبلاً مزدهراً لها، مهما بلغت البراغماتية أو تفاقمت الانتهازية عند طرفيها.

ولا أدري ما الذي تقوله الدوحة لقادة حماس المقيمين بين ظهرانيها، وهي ترى هذا المشهد يتشكل أمام ناظريها، هل يسترجع قادتها صوراً من هجرة حماس الدمشقية إلى الدوحة مع هبوب رياح الثورة والمؤامرة في سوريا وعليها ... هل سيقول قائلهم إن موسم هجرة حماس القطرية صوب القاهرة وأبو ظبي قد بدأت، وأن عليهم أن يشربوا من الكاس ذاته، الذي أذاقوه للأسد ونظامه وحلفائه ... هل نجحت حماس في إقناع الدوحة وهي تخوض معركة المصير والمستقبل مع دول الرباعي العربي، بإن ما يجري ليس سوى انحناءة تكتيكية مؤقتة، لا تمس أسس العلاقة وثوابتها؟!

في المقابل، ليست لدى القاهرة وأبو ظبي المطالب والتوقعات ذاتها من الدحلان ... مصر تريد تأمين معبر رفح عبر رجالاته وتريد لهذا التحالف الجديد أن يكون عوناً في حربها على الإرهاب المستشري في سيناء، وهي لا تطلب من حماس التعاون لضبط حدودها مع القطاع فحسب، بل المساهمة أمنياً واستخبارياً في اجتثاث الإرهاب من سيناء كذلك ... الإمارات في المقابل، ليست سعيدة بحماس ولا بعلاقة أي قوة محسوبة عليها مع الحركة الإخوانية الفلسطينية، لكنها لا تمانع في مساعدة مصر، وهي حليفتها القوية، ولا تتردد في اللجوء إلى أي تكتيك من شأنه إضعاف قطر وتقليع أنيابها.

لكن المشكلة أن حماس يصعب عليها أن تخرج من جلدها تماماً، إذ حتى في وثيقتها الجديدة لم تجرؤ على إعلان الانفصال عن الإخوان بلغة مباشرة وصريحة، بل “مداورة” ... وهي ستتعاون مع مصر على ضبط الحدود، ولكن هيهات أن تشتبك مع مختلف الجماعات السلفية التي لا يروقها التعاون المصري الحمساوي ... وهي تعرف أن دحلان ورعاته ليسوا جمعية خيرية لدفع الديات والتعويضات فحسب، والمؤكد أنها ستقبل تكتيكياً بعودة مضبوطة ومسيطر عليها لجماعته إلى القطاع، فيما الأيدي ستبقى على الزناد للتصدي لأي محاولة لتوسيع هذا الدور أو تمكينه من الاستحواذ على عناصر القوة الذاتية التي تجعله قادراً على “البقاء والتمدد” من دون ضوء أخضر من الحركة وأجهزتها وكتائبها.
“زواج المتعة” الناشئ بين دحلان وحماس، ينفع كما قلنا في “إغاظة” فتح والرئيس عباس، وفي تحقيق مكاسب تكتيكية لكلا الفريقين، لكن على المدى الأبعد، فإن هذا الزواج مؤقت، بحكم طبيعته، ويحمل بداخله بذور الطلاق والانفجار، وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن نشهد على اندلاع حرب اتهامات متبادلة، نأمل أن تظل في إطارها السلمي وألا تتحول إلى حرب تصفيات متبادلة كما حصل في سنوات الرصاص و”فرق الموت” أو أثناء “الحسم/الانقلاب”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya