هـل مـن جــواب علـى ســؤال الملك

هـل مـن جــواب علـى ســؤال الملك؟

المغرب اليوم -

هـل مـن جــواب علـى ســؤال الملك

بقلم - عريب الرنتاوي

في إشارة تستبطن أشد معاني الاستغراب والتوبيخ، تساءل الملك في لقائه كتابا وصحفيين أمس الأول، عن غياب المسؤولين السابقين والتزامهم صمت القبور في أوقات الأزمات ... وهي إشارة في محلها، وسبق أن تناولناها في غير مناسبة ومنعطف، كما جرت إثارتها بأكثر من شكل في السنوات العشر أو الخمس عشرة الفائتة.
مئات الوزراء السابقين، وعشرات رؤساء الحكومات ومجالس النواب والأعيان المتعاقبين، فضلاً عن جيش جرار من كبار المسؤولين والسفراء ، لا تجد منهم في الملمات والأزمات، سوى نفر قليل ... أما كثرتهم الكاثرة، فيأوون إلى منازلهم ومجالسهم الخاصة، يتبادلون فيها الشكوى والتذمر، ويترحمون على الزمن الجميل الذي صادف وجودهم في مواقع المسؤولية، ويلعنون الإدارة والحكومة وسوء الأداء وضعف التحصيل، منذ أن غادروا مراكزهم وتمت تنحيتهم، فلا أحد عندنا يتنحى عن طيب خاطر أو بقرار ذاتي، مهما كانت الأسباب والأحوال.
بعضهم، يفضل العمل بمعكوس القول الذائع “من لا يعمل لا يخطئ”، هم يفضلون ألا يفعلوا شيئاً كيلا يخطئون، ظناً منهم أن أخطاءً من أي نوع، يمكن أن تحرمهم فرصة تلقي “المكالمة” التي طالما انتظروها للعودة من جديد إلى دائرة الضوء والقرار والسلطة و”الثروة” أحياناً ... قلة من هؤلاء تختار طريق المشاكسة علها تجد من يسعى في شراء صمتها وانضباطها، وغالباً بوظيفة رفيعة أخرى، إن لم يكن للشخص ذاته، فلأبنائه  من بعده ... ولمَ لا، طالما أننا نعيش نوعاً من “الإقطاع السياسي” حيث تتجدد النخب من داخلها، وفي تسلسل دقيق من الأجداد إلى الأبناء وصولاً للأحفاد.
بعضهم الآخر، لم يكن التزامه بما بات يُعرف في أدبياتنا بـ “خط الدولة الأردنية” جدياً في الأصل، بل طقساً من طقوس “التقية”، فإن غادر موقعه ارتد على عقبيه، وبات ينطق بلسان غير لسانه، وأولويات غير أولويات الدولة، حتى أنه لن يمانع في أن يحتسب على المعارضة، بل وعلى أقصى المعارضة إن تطلب الأمر، فمرحلة التماهي مع “خط الدولة” استنفذت أغراضها، وقد آن الأوان للبحث عن الشعبية بأي ثمن، حتى وإن كان من خلال إطلاق النار رشاً ودراكاً على كل ما مثله أو ادعى تمثيله والتعبير عنه.
في المنعطفات الكبرى، تنجلي الصورة على أوضح ما يكون ... أذكر من تجربتي الشخصية في الإعلام، وعشية الحرب الأمريكية على العراق في العام 2003، وعندما كانت الدولة بأمس الحاجة لمن يروج لمقاربتها الجديدة من حرب الخليج الثالثة، أننا لم نجد من بين هؤلاء من يتطوع للمشاركة في برنامج تلفزيوني يدافع عن هذه المقاربة أو يروج لها ... وإذا لامني كثير من كبار المسؤولين لعدم استضافتي في برنامج “قضايا وأحداث” شخصيات أردينة تتنطع لحمل هذه المسؤولية، فقد ألقيت الكرة في ملعبهم، وطلبت إليهم أن يبحثوا لي عن ضيوف لحلقات البرنامج، فلم يأتوني إلا بقائمة تضم أقل من دزينة أسماء، كنت قد استنفذتها جميعها من قبل.
وأذكر أيضاً زمن الأزمات السياسية / الإعلامية التي اندلعت متعاقبة مع بعض الدول العربية (قطر، مصر، وسوريا)، وكنت ما زلت أقدم برنامجاً تلفزيونياً، كيف تكررت التجربة ذاتها، وكان غياب هؤلاء أكثر من حضورهم، مع أن بعض الذين غابوا وتغيبوا كانوا حتى الأمس القريب، وقبل آخر تعديل وزاري، في صف منتقدي هذه الفئة من رجالات الدولة الذين سرعان ما يختفون فلا تعود تعثر على أي منهم.
قلنا إن الدولة ليست بحاجة لحزب سياسي مؤطر أو حزب حاكم، وهذا صحيح ... لكن لكل دولة في العالم “تيار عام” يعكس فلسفتها وقيمها ويدافع عن مصالحها ويذود عن ثوابتها ... في الأردن، ومنذ العام 2002، زمن “الأردن أولاً” أطلقنا صيحة: أين تيار الدولة الأردنية، ولا من مجيب.... الصرخة ذاتها، ترددت بالأمس بين جنبات قصر الحسينية، ولا أدري كيف سيتردد صداها في قادمات الأيام، وما إذا كانت ستحرك ساكناً أم أن قاعدة “ما لضرب في ميت إيلام” ستفعل فعلها ثانية.
لا أريد أن ألقي بكامل المسؤولية على رجالات الدولة السابقين، هناك “قسط” من المسؤولية يقع على عاتق “الدولة العميقة” في الأردن، فقد صادفت في تجربتي المهنية، التلفزيونية بشكل خاص، ظاهرة أحسب أنها فريدة، وهي أن عدداً لا بأس به من هؤلاء الرجالات مُدرج على “قوائم سوداء” محظور إخراجها على الشاشة الوطنية، وهي قوائم متحركة وغير مكتوبة، تتغير بين الحين والآخر، وأصدقكم القول أنني كنت أصدم أحياناً عندما يقال لي تفادى هذا المسؤول أو حذار من ذاك ... الظاهرة تفاقمت في الآونة الأخيرة، وصدر “الدولة العميقة” يضيق أكثر بأبنائها وبناتها.
وأختم بدعوة الجميع للاعتراف بواحدة من الحقائق المرة، وأعني بها أن المسؤول الذي جاء إلى موقع المسؤولية بالواسطة أو لأنه عضو في نوادي رؤساء الحكومات ودواوينهم، أو وفقاً لنظام المحاصصة والاسترضاءات المعروفة، غالباً ما لا يكون مؤهلاً، وهو إن اضطر في موقع المسؤولية أن يدلي ببعض دلائه في بعض الموضوعات، إلا أنه يفضل تحاشي ذلك طالما أنه ليس مجبراً أو مضطراً لتجشم عناء الظهور أمام الكاميرا أو مواجهة الجمهور ... عدم أهلية كثير من أعضاء نادي النخبة، سبب أساسي في استنكافها وغيابها.
في العقدين الأخيرين، نمت ظاهرة جديدة حذرنا منها في أكثر من مقال سابق، وأعني بها غلبة فئتين على  تشكيل المطبخ وتكوين مراكز صنع القرار ومؤسسات الدولة: الأمن والتكنوقراط ... قلنا ونقول إن وجود هاتين الفئتين حيوي ومتطلب ضروري للنجاح، ولكن من ضمن رؤية سياسية وتحت مظلة سياسيين رؤيويين، فالدول تساس بالسياسة، وليس بالأمن ولا بالتكنوقراط، على أهميتهما ... لننتهي إلى جيش من رجالات الدولة السابقين، الذي وإن كانوا خبراء في مجالات اختصاصهم الضيقة، إلا أنه يصعب وصفهم بالسياسيين أو حتى رجالات الدولة ... هؤلاء لا دور لهم ولا وظيفة، خارج مناصبهم الرسمية، وهم يعملون وفقاً للقاعدة السلفية الشهيرة: من السياسة ألا تعمل في السياسة.
سؤال الملك بالأمس، يعكس درجة من القلق والاستياء، لأنه مس عصباً مهماً في حياتنا السياسية والوطنية ... أما الجواب عليه، فليس في متناول اليد، وأحسب أننا بحاجة لخطط وسياسات واستراتيجيات جديدة، تتصل جميعها بالسؤال الجوهري حول كيفية تصنيع وتجديد النخبة الأردنية، بدءا بقانون الانتخابات والأحزاب وغيرهما من القوانين الناظمة للعمل العام، مروراً بطريقة تشكيل الحكومات وولايتها، وانتهاء بمصائر نظام المحاصصة والاسترضاءات المعتمدة لشغل الوظائف العمومية الرفيعة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هـل مـن جــواب علـى ســؤال الملك هـل مـن جــواب علـى ســؤال الملك



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"

GMT 22:37 2017 الإثنين ,16 كانون الثاني / يناير

"بنات خارقات" يجمع شيري ويسرا وريهام على MBC مصر

GMT 23:37 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

"سابع جار" للممثلة هيدي كرم قريبًا على CBC
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya