سوريا قبل سبع سنوات إيران اليوم

سوريا قبل سبع سنوات... إيران اليوم

المغرب اليوم -

سوريا قبل سبع سنوات إيران اليوم

بقلم - عريب الرنتاوي

لا أوجه للشبه بين النظامين السوري والإيراني، لا من حيث السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا من حيث التركيبة وديناميكيات ممارسة السلطة وتوزيعها أو الأطر المرجعية المؤسسة لكل منهما، لكن ما تشهده إيران اليوم، يذكر بما شهدته سوريا قبل سبع سنوات، وربما يتكشف المشهدان عن كثير من المشتركات المدهشة.
في سوريا قبل سبع سنوات، وقعت الثورة، ثورة الشعب المتطلع لحريته وكرامته ولقمة عيشه الكريم، والشعب السوري فيما فعل، أراد أن يبرهن أنه ليس أقل توقاً للحرية من شقيقيه في تونس ومصر، وهو الذي اعتاد تاريخياً أن يكون سبّاقاً إلى ريادة الصفوف، ولديه فوق هذا وذاك، من الدوافع والمحركات المشروعة للانتفاض، ما يعادل أو يفوق ما لدى الشعبين المصري والتونس.
في إيران اليوم، شعب ضاق ذرعاً بالنمو “اللا متوازن” لاقتصادات بلاده ومقدراتها، فليس بالصواريخ وحدها يحيا الإنسان، ولا بالجيوش الجرارة وبناء القدرات العسكرية الفائقة، تبنى الشعوب والمجتمعات، وثمة شواهد على ذلك في التاريخ الحديث، فالاتحاد السوفياتي السابق بنى ترسانة عسكرية كفيلة بتدمير كوكب الأرض مرات عديدة، لكنه عجز إشباع حاجات مواطنيه ومكوناته القومية، نجحت الصواريخ العابرة للقارات في حماية الاتحاد السوفياتي من تهديدات الخارج، بيد أنها أخفقت في الحفاظ عليه، أمام طوفان تهديدات الداخل ... ما يحدث في إيران اليوم، ينذر بأن “النموذج الثوري” في الاقتصاد والاجتماع قد استنفذ دوره، وقد آن أوان التغيير.
 في سوريا قبل سبع سنوات عجاف، وجدت “المؤامرة” ضالتها وفرصتها، وبدا أن لحظة تسوية الحساب مع دمشق، ومحور بأكمله قد لاحت، وآن أوان اغتنامها ... لم يبق جهاز مخابراتي واحد في هذا الكون، إلا وأنشأ لنفسه محطة هناك ... الذهب الأسود والرايات السوداء وغرف العمليات المعتمة، فعلت فعلها في جلب عشرات ألوف الإرهابيين من عشرات الدول، وبقية القصة معروفة.
في إيران اليوم، وقبل أن يتضح خيط الاحتجاجات الأبيض من خيطها الأسود، كانت غرف العمليات/ المعدة مسبقاً، قد أعلنت أعلى درجات التعبئة والاستنفار ... من مجلس الأمن إلى “غرف الأخبار”، مروراً بغرف العمليات المختصة بتدبير الاختراقات وتوجيه الخلايا وتشغيلها ... إيران تتحول سريعاً، أسرع من سوريا، إلى نقطة جذب وتلاقي لمختلف خيوط “المؤامرة” وخطوطها.
سوريا قبل سبع سنوات، اختبرت أسوأ تجربة فشل في الفصل ما بين الثورة بما هي مطالب عادلة ومشروعة لشعب عانى ويعاني من شظف العيش وسطوة النظام وغياب العدالة والكرامة، و”مؤامرة” تسعى في تفتيت البلاد وتدمير المؤسسات وتبديد المقدرات، خدمة لمصلحة طرف واحد فقط: إسرائيل ... ذهب النظام إلى آخر الشوط في استعداء شعبه، وشيطنة معارضيه وخصومه، وبدل تقديم التنازلات للسوريين، اضطر لتقديمها للإيرانيين والروس ... أما في المقلب الآخر، فحدث ما هو أسوأ من ذلك، حين تحولت فصائل المعارضة ومكوناتها، إلى بيادق تحركها عواصم إقليمية ودولية، على رقعة الشطرنج الخاصة بها.
إيران اليوم، لم تصل إلى نهاية الشوط على هذا الطريق، ثمة “وعي نسبي” تكشفت عنه حكومة روحاني عندما حاولت الفصل بين مطالب المتظاهرين السلميين المشروعة، وعناصر التخريب و”المؤامرة”، لكن فداحة الهجمة الإعلامية – السياسية التي قادتها واشنطن ضد إيران، دفعت للخلف برواية روحاني وإصلاحيي إيران، وغلبت “رواية المؤامرة ونظريتها”، وإن استمر الحال على هذا المنوال، فقد تنزلق طهران إلى ما انزلقت إليه دمشق، ودفعت ودفعنا جرائه أبهظ الأثمان.
في سوريا قبل سبع سنوات، هناك من أراد إلقاء المسؤولية عن الاحتجاج والثورة، إلى برامج اقتصادية ليبرالية ونيو-ليبرالية جرى تنفيذها في العشرية الأولى لحكم الأسد، ودائماً بهدف إبراء ذمة النظام السياسي من أية مسؤولية عن “الكارثة” التي ألمت بالبلاد ... والحقيقة أن الليبرالية الاقتصادية لا تكفي وحدها لتفسير ما حصل، فالديكتاتورية والاستبداد اللذين ميزا نظام الحكم في دمشق، مسؤولان مسؤولية كبرى عن دفع الأحداث على هذا المسار، وتغذية وتخصيب بذور التطرف والإرهاب.
في إيران اليوم، لا حديث عن “السياسة”، كل التركيز على فشل السياسات الاقتصادية، ولحكومة روحاني على وجه التحديد، التي تتهم بدورها بتوجهاتها الليبرالية، مقابل سياسات “الاكتفاء الذاتي” التي تنسب إلى التيار الأصولي – المحافظ ... لا شيء يذكر عن فشل النظام السياسي الإيراني، بحكم طبيعته وتكوينه الدينية – المذهبية، في استيعاب وتمثيل مختلف المكونات والكيانات الإيرانية، وأن هذا النظام بالذات، هو المسؤول عن “الأزمات الدورية” التي رافقت الثورة الإيرانية منذ انتصارها قبل أربعة عقود تقريباً، وأن الحال سيستمر على هذا المنوال، وقد يأخذ أشكالاً أكثر تفاقماً في المستقبل.... النظم الدينية – الشمولية، القائمة على الخطاب الديني والمذهبي، أثبتت أنها عاجزة عن حفظ وحدة البلاد والعباد على المديين المتوسط والبعيد، بل وأنها سبب بحد ذاتها، في توليد مزيدٍ من الانقسامات، وتخليق المزيد من متواليات الصراع والحروب الأهلية.
في سوريا وإيران، ثورة ومؤامرة، ديكتاتورية وتوتاليتارية وشعوب تواقة للحركة والكرامة والتعددية والعيش الكريم، فشل نظام الحزب القائد للدولة والمجتمع وتفاقم مأزق نظرية الولي الفقيه... ليبرالية اقتصادية تحتضر من دون ليبرالية سياسية، ولعب في الوقت الضائع على نظرية “الاكتفاء الذاتي” التي لا تبشر إلا بإعادة أصحابها عشرات السنين للوراء.
إذاً، رغم اختلاف التجربتين والسياقين، ثمة مشتركات مدهشة في تجربة دولتين محوريتين، من دول “المقاومة والممانعة”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا قبل سبع سنوات إيران اليوم سوريا قبل سبع سنوات إيران اليوم



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya