خيارات قطر

خيارات قطر

المغرب اليوم -

خيارات قطر

بقلم : عريب الرنتاوي

لا تتمتع قطر بهامش واسع للمناورة، فالموجة التي تتهددها عالية وعاتية، وحالة الاستقطاب في المنطقة لم تعد تسمح أبداً بالتسويات على الطريقة الخليجية: "تبويس اللحى والأنوف والجبهات" ...جولة الخلاف هذه المرة، تبدو مغايرة تماماً لما سبقها من صولات وجولات، ميزت العلاقة بين الإمارة الخليجية الصغيرة وشقيقتها الكبرى المجاورة.

في حمأة التراشق الإعلامي والسياسي بين الأطراف المشتبكة، يبدو الباب مفتوحاً فقط أمام خيارين اثنين:
الأول؛ أن تنصاع قطر لشروط الرباعي العربي (مصر، السعودية، الإمارات والبحرين)، وهذا خيار انتحاري بالنسبة لقطر، ينسف كل ما بنته طوال أزيد من عقدين من الزمان، فضلاً عن كونه يمثل اعترافاً صريحاً بـ "الاتهامات" المنسوبة إليها، وهي اتهامات تكفي لوسمها بـ "الدولة المارقة"، وربما تكون لخيار كهذا تداعيات داخلية، تمس النظام والعائلة إلى ما هنالك.

والثاني؛ انتقال قطر إلى الضفة الأخرى، وتوثيق روابطها بالمحور الذي طالما دارت حوله وفي فلكه، وأعني به "محور المقاومة والممانعة" ... وهذا بدوره خيار انتحاري آخر، سيما وأنه سيُعقّد وضع قطر الإقليمي، وسيضعها في مواجهة مع الإدارة الأمريكية التي اتخذت من إيران عدواً أولاً لها، وتحاول الترفع على الانقسام الخليجي والاكتفاء بمراقبته عن بعد، وتوجيه النصائح بحل الخلافات بالحوار، ومن داخل البيت الخليجي.

الدوحة أعطت إشارات في الاتجاهين معاً ... فهي نقلت لحماس قائمة بأسماء "ضباط ارتباطها" مع الضفة الغربية طالبة إليهم مغادرة أراضيها، تماماً مثلما فعلت تركيا من قبل (حماس نفت الأمر في الحالتين)، كما أن إعلان عزمي بشارة اعتزاله العمل السياسي وتفرغه للبحث العلمي، لم يكن قراره الذاتي، وهو أقرب للإقالة منه إلى الاستقالة، ودائماً لتفادي ضغوط الجوار القريب والبعيد.

في المقابل، بعثت الدوحة برسالة إلى من يهمه الأمر، عندما بادر أميرها للاتصال بالرئيس الإيراني حسن روحاني لتهنئته بمناسبة إعادة انتخابه، قبل أن يعرض عليه تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، رافضاً مقاربة قمة الرياض الأمريكية – العربية، التي وضعت طهران في رأس قائمة مهددات الأمن الخليجي والعربي والدولي ... تلكم كانت إشارة إلى استعداد الدوحة للبحث عن بدائل وتوسيع دائرة تحالفاتها الإقليمية بما يتعدى تركيا إلى إيران ذاتها.

لكن الحقيقة أن الدوحة لا تستطيع الذهاب بعيداً في كلا الاتجاهين، فإن هي رضخت للشروط المصرية – السعودية الإماراتية قامرت بإنجاز الماضي (التليد) ومكتسباته ... وإن هي قفزت إلى أحضان "محور إيران – دمشق"، قامرت بمستقبلها وأمنها واستقرارها وبالغطاء الأمريكي المفرود على أرضها وفوق أجوائها ومياهها.

لهذا تبحث قطر عن وسيلة لاستيعاب الصدمة وتبديدها ما أمكن، وسوف نرى في الأيام القليلة القادمة، محاولات لأفرقاء كثر، يبدون الاستعداد للوساطة وبذل المساعي الحميدة بين الأطراف المحتربة ... والمؤكد أن الدوحة ستكون العاصمة الأكثر سعادة بازدحام الوسطاء والوساطات، فذلك سيمكنها من كسب الوقت، وسيساعدها على تدوير الزوايا الحادة في مواقف الرباعية العربية المناهضة لها، وربما الإفلات من الزاوية الضيقة التي وجدت نفسها محشورة داخلها.

وفي هذا السياق، ستبدي الدوحة استعداداً متزايداً لتقديم وجبات متتالية من التنازلات، وقد تتخذ إجراءات لمساعدة الوسطاء على إنجاز مهامهم ... وتحديداً لجهة إبعاد بعض الرموز غير المرغوب ببقائها في الرياض، وإعادة ضبط وتيرة الخطاب الإعلامي، وربما إبداء مواقف أكثر قرباً من الرياض، من الناحية اللفظية على الأقل، حيال عدد من الملفات الإقليمية.

من بين الدول الأربع التي تخوض هجوماً منسقاً ضد قطر، تبدو الدوحة حريصة بالأساس على تحييد الموقف السعودي، ولأسباب شتى معروفة وليس هناك مجال الخوض فيها ... لا يهم القيادة القطرية ما تقوله الإمارات والبحرين، وهي ليست معنية بتاتاً بخطب ود القاهرة ... ولقد شهدنا في الأيام التي سبقت قرارات القطع والقطيعة التي صدرت عن العواصم الأربع، كيف أن الدوحة حاولت صب جام غضبها على أبو ظبي وتجنبت توجيه أي نقد لاذع للسعودية ... هذا التكتيك سيستمر، وستسعى قطر لتفكيك جبهة الرباعية العربية، من خلال التركيز على استرضاء السعودية وكسب حيادها، لكن فرص نجاح هذا التكتيك، تبدو ضعيفة للغاية هذه المرة بالذات.

السيناريو الذي لا يبدو أن الدوحة تفكر به على الإطلاق، هو الذي تناولناه في مقال سابق قبل عدة أيام، عندما اقترحنا على الدوحة الالتفات للداخل، وإعادة رسم صورة الإمارة، لتتخذ من سويسرا وليس من اسبارطة، نموذجاً لها، وهي قادرة على فعل ذلك إن توفرت الإرادة السياسية، والانتقال من موقع "الطرف المشاكس" في كل أزمات المنطقة، إلى موقع الوسيط والمرجعية التي يحتكم إليها أفرقاء الصراع، والتحول من بناء السدود والجدران في وجه مبادرات التعاون والتكامل الإقليمية إلى بناء الجسور ومنصات للتلاقي وبناء التوافقات والتفاهمات.

دولة مثل قطر، لن تستطيع أن تقفز فوق قيود الجغرافيا والديموغرافيا مهما امتلكت من المال والثراء، وهي في هذا ليست وحدها، فهناك دولٌ أخرى تعيش حالة إنكار لهذه القيود معتمدة على فوائض عائداتها النفطية ...لكنها – قطر - تستطيع أن تلعب دوراً محورياً، وأن تكون محط أنظار دول المنطقة وشعوبها إن هي اتخذت لنفسها مساراً مغايراً، وهذا أمرٌ لا نرجحه في ظل سيادة أنماط الحكم القائمة على فرادة الحاكم وتفرد العائلة بمقاليد السلطة والثروة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات قطر خيارات قطر



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 05:15 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

واتساب يضيف ميزة نالت إعجاب مستخدميه

GMT 02:06 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

سعر ومواصفات "كيا سبورتاج 2019" في السعودية

GMT 23:49 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

وفاة أب وإبنته غرقا في نهر ضواحي جرسيف‎

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما

GMT 23:43 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

توقيف أحد أباطرة تهريب المواد المخدرة إلى إسبانيا

GMT 04:44 2018 الأحد ,17 حزيران / يونيو

ديكورات ريفية في مسكن أوبرا وينفري

GMT 11:41 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

خطوات تطبيق مكياج ترابي مميز بعدّة أساليب

GMT 05:02 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

"أمن مراكش" يفك لغز العثور على جثة جنين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya