عن أية «قنبلة سياسية» يتحـدث الإسـرائيليـون

عن أية «قنبلة سياسية» يتحـدث الإسـرائيليـون؟

المغرب اليوم -

عن أية «قنبلة سياسية» يتحـدث الإسـرائيليـون

بقلم عريب الرنتاوي

الجدل الدائر في إسرائيل حول مستقبل الضفة الغربية المحتلة، أطلق جدلاً موازياً في المجتمع الفلسطيني، وبدرجة أقل في دول الجوار ... في القلب من هذا الجدل أسئلة من نوع: ما الذي ستفعله إسرائيل في الضفة، هل ستقدم على ضمها رسمياً و”نهائيا”؟ ... هل ستضمها كلها أم جزء منها (المنطقة ج)؟ ... هل ستضمها دفعة واحدة أم بالتدريج؟ ... قليلة هي الأسئلة التي تدور حول ما الذي بمقدور الفلسطينيين أن يفعلوه لجعل هذه السيناريوهات ضرباً من الخيال أو “أضغاث أحلام”؟

الجدل الذي يحتدم الآن في ضوء ما يجري من مداولات بين أحزاب اليمين واليمين المتطرف (دينياً وقومياً)، حول مشروع قانون لضم الضفة الغربية أو المناطق (ج) التي تشكل 60 بالمائة من مساحتها، وفيها كثافة سكانية قليلة نسبياً (70الف مواطن فلسطيني) لم يبدأ اليوم، فمنذ انسداد أفق العملية التفاوضية وسقوط “حل الدولتين” وانحباس مسار أوسلو، والأحاديث في إسرائيل يدور حول ما الذي يتعين فعله بالضفة، وما الحلول الذي تخدم على نحو أفضل، مصالح إسرائيل التوسعية ومقتضيات نظريتها الأمنية، وفي هذا السياق، يجري التداول بعدد من السيناريوهات، أهمها ثلاثة:

الأول، استمرار الوضع الراهن لسنوات عديدة قادمة، تستكمل خلالها إسرائيل عمليات زرع المستوطنين وتسمين المستوطنات، فتُقطّع ما تبقى من أوصال الضفة الغربية، وتلف “الديموغرافية الفلسطينية” بأحزمة من الجدران والطرق الالتفافية والمستوطنات، بحث تنتهي وإلى الأبد، فكرة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ... مثل هذا السيناريو، يستوجب حكماً العمل على “شراء الوقت” و”مشاغلة” الفلسطينيين والمجتمع الدولي، بمشاريع وأفكار فارغة، وتعميق “الاعتمادية” الفلسطينية على الاقتصاد الإسرائيلي، وتكريس انقسامات الفلسطينيين السياسية والجغرافية، وإدامة التنسيق الأمني مع السلطة بوصفه شرطاً وجودياً لبقاء الأخيرة، وتغيير أنماط السلوك والعيش والاستهلاك الفلسطينية، من ضمن استراتيجية تسعى في خلق “الانسان الفلسطيني الجديد”.... والحقيقة أنه لا يجوز استبعاد مثل هذا السيناريو، لأسباب عديدة، أهمها على الإطلاق، أن إسرائيل ما زالت قادرة على تحمّل أكلافه، المتواضعة أصلاً، في ظل تآكل الاهتمام الإقليمي والدولي بالقضية بالفلسطينية، وغياب استراتيجية مقاومة فلسطينية جادة وجدية، مكلفة للاحتلال ومعرقلة لمشاريعه ومخططاته، وليس ثمة ما يشير إلى أن إسرائيل أصبحت بأمس الحاجة لتفجير “قنبلة سياسية”.

الثاني، وقد طرح من قبل معسكر اليمين لأول مرة، عندما أقدم زعيم هذا المعسكر آنذاك، أريئيل شارون، باعتماد خطة الانفصال أحادي الجانب عن قطاع غزة ... وثمة من يعتقد بأنه وخلفائه، كانوا ينوون إعادة انتاجها في الضفة الغربية، قبل أن يلتقط زعيم المعسكر الصهيوني (المسمى اليساري) الفكرة، ويعمل على الترويج لها بوصفها مشروع يتسحقهرتسوغ للانفصال أحادي الجانب عن مناطق الكثافة الفلسطينية، أي عن مناطق “أ وب) بموجب تقسيمات أوسلو، حفظاً للطابع اليهودي للدولة العبرية، والذي هو شرط “ديمقراطيتها” من وجهة نظر هذا المعسكر... مثل هذا السيناريو، الذي يمكن وصفه بـ “برنامج الحد الأدنى التوافقي” في إسرائيل، يمتلك قاعدة واسعة من المؤيدين، من الحكومة والمعارضة على حد سواء.

الثالث، ويتحدث بلغة الضم والإلحاق، الرسمي و”النهائي”، وتتفاوت مواقف أنصار هذا السيناريو من الإسرائيليين، بتفاوت “المساحات” التي ينوون ضمها من الضفة، فمنهم يقترح ضمها جميعها ومن يكتفي بضم أزيد من نصفها، وهكذا، تتعدد الاتجاهات بتعدد المساحات المدرجة على جدول أعمال الضم والإلحاق... انصار هذا السيناريو يرون أن له فرصاً كبيرة للنجاح، منها: (1) انشغال العالم العربي بثوراته وانتفاضاته وحروبه وحروب الآخرين عليه...(2) تورط أوروبا بموجات اللجوء وتهديدات الإرهاب...(3) انهماك واشنطن بسنة الانتخابات الرئاسية... (4) حالة “التهروء” التي تعيشها الساحة الفلسطينية في ظل شيخوخة الحركة الوطنية الفلسطينية، وتفاقم مأزق حماس في غزة ومعها... وقد شجعت مثل هذه الظرف والشروط المواتية، مؤيدي هذه السيناريو  من كتل اليمين واليمين المتطرف على إجراء المداولات في لجان الكنيست وبين كتله المختلفة، لسن تشريع ملزم للحكومة بهذا الخصوص.

لا شك أن المشهدين الفلسطيني والعربي لا يبعثان على التفاؤل أبداً ... لكن مع ذلك، ورغم ذلك، أحسب أن قراراً إسرائيلياً بحجم ضم الضفة الغربية أو 60 بالمائة منها، ستكون له ارتدادات سلبية على إسرائيل، تسهم في زيادة “عزلتها” ونزع “شرعيتها”، وقد تلقي بظلال كثيفة على النجاحات التي حققتها حكومة نتنياهو في استحداث تقارب وتطبيع مع دول عربية وازنة، من خارج “نادي دول الطوق”، وقد يثير انقسامات داخلية في إسرائيل، على خلفية السؤال حول “يهودية الدولة وديمقراطيتها” ... ربما لم تنضج الشروط بعد، لإنفاذ مثل هذا السيناريو.

لقد اجرت حكومة نتنياهو قبل أيام، “بروفة” عملية لهذا السيناريو، عندما اجتمعت في الجولان المحتل، وطالبت العالم الاعتراف بضمه وإلحاقه لإسرائيل، في محاولة لتوظيف حالة الضعف والتفكك التي تمر بها سوريا، وعزلة النظام الإقليمية والدولية الشديدة ... العالم لم يستجب لنداء الحكومة الإسرائيلية، بل انتقد الخطوة وأدانها، وأعاد التذكير بأن الجولان أرض سورية محتلة ... ردود الفعل الدولية على خطوة مشابهة في الضفة الغربية، سوف تكون أكثر قوة وأشد صلابة في رفض الخطوة الإسرائيلية.

السيناريو الأكثر واقعية، أو “القنبلة السياسية، إن كانت هناك قنابل سياسية في الأصل، هو السيناريو الثاني، وأعني به الإقدام على انسحاب أحادي الجانب مع مناطق الكثافة الفلسطينية، مع الإبقاء على “حق” إسرائيل غير المشروط، باقتحام هذه المناطق، وقتما شاءت وكيفا شاءت ... مثل هذا السيناريو يُقبي أكثر من 60 بالمائة من مناطق الضفة الغربية بيد إسرائيل بالكامل، من دون أن يُفقد أذرعتها الأمنية القدرة على العبث في الـ 40 بالمائة الأخرى ... ويوفر لإسرائيل، القدرة على تفادي الضغوط، وربما لعقد قادم من الزمان، فيما خص عملية السلام والمفاوضات و”حل الدولتين”، حيث سيُلقى بالكرة في ملاعب الفلسطينيين، ويتركون لانقساماتهم التي قد تتفاقم على خلفية القرار الإسرائيلي وكيفية التعامل معه والرد عليه، وبدل أن تكون خلافات رأسية بين فتح في الضفة وحماس في غزة، فقد نرى انقسامات عميقة، داخل المعسكر الواحد.

أما مصير الـ 60 بالمائة من الأراضي التي ستستبقيها إسرائيل تحت سيادتها الكاملة، فهو مرهون بتطورات الأحداث في فلسطين والإقليم والعالم، وقد يكون الضم والإلحاق، رسمياً و”نهائياً” هو المآل ونهاية مطاف هذه المناطق، ولكن بعد مرور حين من الوقت، تتقلص معه الأخطار والأثمان التي يترتب على إسرائيل دفعها جراء خطوة استراتيجية من هذا النوع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أية «قنبلة سياسية» يتحـدث الإسـرائيليـون عن أية «قنبلة سياسية» يتحـدث الإسـرائيليـون



GMT 11:57 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

دفاعًا عن السودانيين ... وثورتهم

GMT 07:56 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

الفرصة من رحم الكارثة

GMT 16:30 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

ما الذي سيُنَفذ عملياً من «صفقة القرن»؟

GMT 13:12 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

التراجع عن فك الارتباط .. مزحة سمجة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya