أخطاء في الحساب

أخطاء في الحساب

المغرب اليوم -

أخطاء في الحساب

بقلم - عريب الرنتاوي

ثمة لحظات انتقال حساسة، إقليمية ودولية، لا تحتمل مقارفة أخطاء جسيمة في الحساب، فقد يتحول الخطأ هنا إلى خطيئة، وقد تكون كلفته أعلى مما يتصور أصحابه، حتى في أسوأ كوابيسهم ... حدث ذلك عندما قرر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين اجتياح الكويت في لحظة انتقال فارقة بين الحرب الباردة ونظام القطب الواحد ... كلفة التقدير الخاطئ لتلك اللحظة ومفاعيلها، كانت باهظة على الرجل وبلاده، وربما يمكننا القول إن العراق والعراقيين، ما زالوا يسددون أثمان تلك المقامرة.

في توقيت متزامن – تقريباً – قارف رجلٌ آخر خطأ مماثلاً، عندما أعلن الجنرال ميشيل عون “حرب التحرير” ضد سوريا والميليشيات الحليفة معها، وهدد بضرب دمشق، إن قصفت طائراتها قصر بعبدا الذي تحصن فيه ... لم يدرك الجنرال المعاني العميقة لانضمام غريمه في تلك الأزمنة، حافظ الأسد، إلى تحالف “حفر الباطن”، ولم يخطر بباله أن رأسه سيكون دفعة أولى من الثمن الذي سيتقاضاه ... نجح عون في الاحتفاظ برأسه بين كتفيه، بيد أنه وجد نفسه مضطراً للانتظار ستة وعشرين عاماً لكي يعود من جديد إلى القصر الرئاسي في بعبدا.

الأخطاء في الحساب، تحدث دائماً، وقد تكون مميتة عند البعض ومكلفة عند البعض الآخر ... ما يجري اليوم في صلب الأزمة الخليجية وعلى هوامشها، يتكشف عن المزيد من الأخطاء في إجراء الحسابات الدقيقة، صحيح أنها أخطاء ليست من النوع القاتل، لكنها بالقطع، أخطاء من النوع المكلف.

الدوحة على سبيل المثال، اعتادت العمل على نحو لصيق مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة ... سنوات الربيع العربي صادفت وجود إدارة باراك أوباما في البيت الأبيض ... معظم إن لم نقل جميع السياسات والإجراءات القطرية، كانت إما مدفوعة من واشنطن أو مقبولة منها، أو متماشية مع مراميها وأهدافها على نحو غير مباشر ... أي هامش للخطأ في تلك الحقبة، ظل محمولاً وقابلاً للاحتواء والتجاوز.

لم تدرك الدوحة على ما يبدو، حجم التحوّل الذي طرأ على المقاربات الأمريكية الجديدة المصاحبة لصعود دونالد ترامب للسلطة ... ظنت أن بمقدورها الاستمرار بفعل ما كانت تفعله، خاب ظنها وطاش سهمها ... ترامب ليس أوباما، وواشنطن اليوم ليست كما كانت عشية حفل التتويج الباذخ للرئيس الجديد ... قد تكون الدوحة أدركت وتلمست معالم التغيير في واشنطن، لكنها آثرت الاستمرار المكابر، مثل هذا السلوك، يقع أحياناً، وغالباً ما يصدر عن إحساس عميق بالتخلي والخذلان... النتيجة واحدة في كلتا الحالتين، وقد تصبح أكثر سوءاً إن أخذتك العزة بالإثم.

لهذا قلنا منذ بداية الأزمة التي تطوي اليوم شهرها الأول منذ اندلاعها رسمياً في الخامس من حزيران/ يونيو، مع أنها عملياً أبعد من ذلك وأعمق ... قلنا إن قطر ستجد نفسها مرغمة على الانحناء أمام العاصفة، ونقول، من دون أن ترفع الراية البيضاء، فليس ثمة ما يجبرها على فعل ذلك ... ثم أن نهاية من هذا النوع، لا تعني تفريطاً بالسيادة كما يقول المسؤولون القطريون فحسب، بل وربما تصل إلى ما هو أبعد من ذلك: تهديد النظام في أمنه وبقائه ومستقبله،... التسويات والحلول الوسط والتنازلات المتبادلة، هي خشبة خلاص قطر في أزمتها غير المسبوقة مع شقيقاتها الخليجيات.

في المقابل، لم تكن تجربة “الرباعي العربي” في الأزمة الأخيرة بلا أخطاء في الحساب كذلك ... ظنوا أن قطر ستصاب بحالة من الهلع، نفسياً على الأقل، مع إحكام أطواق العزلة والحصار المضروبة حولها، وأنها ستضطر سريعاً لرفع يديها الاثنتين تسليما بشروط دول المحور الرباعي ... ظنوا أن ربط الدوحة بالإرهاب سيجعل دول العالم تهرع تباعاً لفرض مزيد من العقوبات وتشديد قبضة الحصار.

بعد شهر كامل على الأزمة، لم تنضم سوى دول قليلة جداً، وغير وازنة، لهذه الحملة، فما من عاصمة أوروبية أو آسيوية أو أوراسية إلا ودعت لحل سياسي قائم على الحوار، بعضها ذهب بعيداً في توصيف لائحة المطالب الـ”13” بالاستفزازية أو غير الواقعية وغير القابلة للتنفيذ ... حتى واشنطن، وبالرغم من كلمات السر المبثوثة في تغريدات ترامب، والتي تشبه همس السفيرة أبريل غلاسبي في أذن صدام حسين أواخر العام 1990، عادت سريعاً لتقمص دور الوسيط، بعد أن بدا أنها طرف وشريك في الأزمة، ولم تمنعها تغريدات الرئيس من إبرام صفقات تسلح كبرى مع قطر، كما لم يصدر عنها ما يؤكد تبنيها لشروط الرباعي العربي كاملة، أو حتى لمعظمها.

قبل أيام، قال الوزير القطري بأن شروط الرباعي العربي، وضعت لترفض، وهو رفضها، تزامناً مع تصريح مماثل لنظيره السعودي بأنها وضعت للتنفيذ وليس للتفاوض عليها ... الموقفان كلاهما، صدرا عن خطأ في الحساب، والدبلوماسية لا تعترف عادة بمثل هذه المقاربات “الأقصوية” و”المتمادية”، وبوصلة الأزمة الخليجية تؤشر إلى الحل السياسي، وإن بعد لأي، وثمة إرهاصات على ذلك، بدأت تطل برأسها من ثنايا النبرة الأكثر ميلاً للتهدئة التي ميزت تصريحات مسؤولين في قطر ودول الرباعي العربي خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخطاء في الحساب أخطاء في الحساب



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya