عن «التدويل» و«الأمركة» ونظرية «ملء الفراغ»

عن «التدويل» و«الأمركة» ونظرية «ملء الفراغ»

المغرب اليوم -

عن «التدويل» و«الأمركة» ونظرية «ملء الفراغ»

بقلم - عريب الرنتاوي

لا أظن أن طرفاً عربياً أو دولياً واحداً، يفكر جدياً بإخراج الولايات المتحدة من ملعب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحتى بفرض وجود من تساوره الرغبة في ذلك، فإن الحقائق الصلبة في هذا الإقليم، وبالأخص، حجم النفوذ الذي تتمتع به واشنطن في المنطقة وعلى هذا الملعب بالذات، تجعل تفكيراً من هذا النوع، ضرباً من “أحلام اليقظة”... وإذا كان من “التهافت” وضع (99 في المائة) من أوراق الحل بيد واشنطن، فإن من “المقامرة” الرهان على إخراجها منها، كما يحلو لبعض “المتحمسين” الدعوة لذلك.
جُل ما يطلبه الفلسطينيون، هو “كسر الاحتكار” الأمريكي لعملية السلام ووضع حد لانفرادها وتفردها بملف الوساطة بين الجانبين، لا أكثر ولا أقل ... وأحسب أنها مهمة صعبة للغاية، وليست بالبساطة التي قد تخطر على بال البعض منّا ... وليس هناك قوة إقليمية أو دولية، بمقدورها وحدها، سدّ الفراغ الأمريكي – إن جاز الحديث عن فراغ أصلاً – سواء من حيث ثقلها أو سطوتها على الأطراف ذات الصلة، ولقد تكشفت الاتصالات الفلسطينية الأخيرة بهذا الصدد، عن حقائق لا يجوز إغفالها وعدم أخذها بنظر الاعتبار.
فموسكو مثلاً، التي تزاحم واشنطن على أكثر من ساحة من ساحات الإقليم، لم تنجرف في دعم الموقف الفلسطيني كما كان يتمنى البعض، وأبقت على خطابها التقليدي حيال هذه المسألة، والمحكوم بقواعد القانون الدولي، حتى إنها سبقت واشنطن بأكثر من عام، عندما أعلنت “القدس الغربية” عاصمة لإسرائيل... أما بشأن الوساطة والرعاية للعملية السلمية، فإن أكثر ما يتطلع له الكرملين، هو شراكة روسية – أمريكية، وإن في إطار “الرباعية الدولية” في إدارة هذا الملف والإشراف عليه.
والحقيقة أن فكرة التعاون مع واشنطن، تبرز جليّة في الخطاب الروسي حيال معظم الأزمات الإقليمية والدولية ... موسكو تعاني حيناً من “التفرد” الأمريكي بإدارة بعض الأزمات، وأحياناً أخرى من استنكاف واشنطن عن الانخراط النشط في العمليات السياسية الجارية لحل بعض الأزمات، فهي عرضت التعاون مع واشنطن في أفغانستان، حيث تتفرد الولايات المتحدة بدور “الراعي” لمساري الحرب والسلام، وهي تستحث واشنطن على الانخراط في مساري استانا وسوتشي من دون أن تجد أذنا صاغية من البيت الأبيض.
وباريس، صاحبة المبادرة حول “المؤتمر الدولي”، وإن أبدت رفضاً لقرار ترامب، إلا أنها لم تذهب أبعد من ذلك في الاتجاهين: رفضت الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، بحجة أنها لا تأخذ مواقفها كردة فعل على قرار أو إجراء أمريكي، وأن التوقيت غير مناسب، وهي أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك، بأنها لا تفكر بـ “ملء فراغ” واشنطن، لا بل أنها لا ترى أن ثمة فراغاً يتعين ملؤه.
من بين دول العالم الكبرى الخمس، لا توجد دولة واحدة، لديها القدرة على التأثير على الموقف الإسرائيلي، وإسرائيل لا تحسب حساباً لأي دولة، مثلما تفعل مع الولايات المتحدة، وهذه حقيقة تدركها مراكز صنع القرار في هذه الدول، وتدفعها للتردد والإحجام عن اقتحام ساحات المنافسة مع واشنطن في هذا الملف، كما أنه لا توجد دولة واحدة في العالم، لديها كل هذا النفوذ على غالبية الدول العربية، التي لديها “دالّة” وتأثير على مواقف السلطة الفلسطينية وقراراتها النهائية.
هذه المعطيات وكثير غيرها، تدفع الفلسطينيين والجانب العربي، للمطالبة بإحياء الرباعية الدولية وتفعيلها، وربما توسيعها، بإضافة دول أخرى إلى عضويتها، والحرص على ألا يكون دور اللجنة شكلياً كما ظل حتى الآن، وغطاءً للتفرد الأمريكي بهذا الملف ... مثل هذه المطالبة، ستجد آذاناً صاغية في كل من موسكو وباريس ولندن التي تغادر الاتحاد الأوروبي وتسعى في استعادة دور خاص بها، وربما التفكير بإضافة الصين إلى عضوية اللجنة، كونها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن.
لن يقبل العالم على اتساعه، الاعتراف بحقيقة أن عملية السلام قد ماتت وآن أوان دفنها ... ولن تتوقف الدعوات والمحاولات لاستئناف مسار الحل السياسي، وسيدخل لاعبون كثر على هذا الخط، إن بأفكار جديدة، أو عبر وسائط وطرق مختلفة، وأخطر ما يمكن أن يواجه الفلسطينيين بعد قرار ترامب، هو الانصياع لأليات التفاوض القديمة، والتسليم بالانفراد الأمريكي بهذه العملية، ولذلك يتعين التفكير في خلق جبهة عريضة، هدفها البحث في سيناريوهات تخرج المسألة الفلسطينية من قبضة الاحتكار الأمريكي، سواء بإعادتها للأمم المتحدة، أو من خلال تأمين إطار دولي جديد للوساطة والرعاية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «التدويل» و«الأمركة» ونظرية «ملء الفراغ» عن «التدويل» و«الأمركة» ونظرية «ملء الفراغ»



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

اتحاد كرة القدم يكشف رغبة ريال مدريد في ضم محمد صلاح

GMT 04:38 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين سهرة للمحجبات من أحدث صيحات موضة الشتاء

GMT 01:05 2012 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حناج عيين با بنيه - نقوش بحرينية يتناول انواع نقوش الحناء

GMT 13:28 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

أفضل ستة فنادق في مراكش للاستمتاع بالرفاهية

GMT 03:24 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بالتعامل مع زملاء العمل

GMT 00:53 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد سعد يعود للغناء مرة أخرى بعد ثبوت صحة موقفه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya