من المغرب 2 – 2

من المغرب (2 – 2)

المغرب اليوم -

من المغرب 2 – 2

عريب الرنتاوي


بين زيارتين للصحراء المغربية، تمتد مسافة من الزمن تلامس الثلاثين عاماً ... الأولى كانت في العام 1986على ما أذكر، يومها كنت موفداً للمشاركة في المؤتمر التأسيسي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بزعامة محمد بن سعيد، الفصيل اليساري الصغير المنبثق أصلاً عن منظمة “23 مارس” اليسارية المحظورة، التي كانت تحتفظ بعلاقات قرابة فكرية وثيقة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين... الزيارة الثانية (الحالية) تأتي بدعوة من الحكومة المغربية للمشاركة في فعاليات “منتدى كرانز مونتانا” الشهير، الذي يعادل منتدى دافوس وإن كان موجهاً للعالم الثالث، ولأفريقيا هذه المرة... خلال هذه الفترة، وبالأخص في السنوات العشر الأخيرة، زرت المغرب مرات عديدة، لم أعد أذكر عددها.
بين الزيارتين، جرت مياه ورمال كثيرة في أنهار المنطقة وصحاريها ... في المرة الأولى، كنت أخطو خطوة للأمام وأخرى للوراء، فالمغرب في تلك الأزمنة، لم يَكن يُكنّ أية مشاعر صداقة لليسار الفلسطيني، وكانت علاقاته الفلسطينية محصورة أو تكاد بجناح (أو عائلة) من حركة فتح... وكان العثور على مجلة “الهدف” في منزل أحد الطلبة الجامعيين أو المثقفين سبباً لاعتقاله ومعاناته (بالمناسبة، الهدف أصبحت توزع رسمياً في المغرب بعد تلك الزيارة)... لم أصدق أن الصورة تغيرت، حتى وطأت أقدامي أرض مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، حيث كان قادة الحزب، ومعهم مراسم حكومية في استقبالنا، لحظتها بدأت الزيارة بكثير من الارتياح والاطمئنان، وشكرت في قرارة نفسي “الرابطة الأممية” التي أتاحت لي فرصة زيارة المغرب، التي بدت لي بعيدة المنال.
كعادة كثيرين من الأردنيين في تلك السنوات، سافرت إلى المغرب بجواز سفر يمني جنوبي، لم أشأ أن أظهر جواز سفري الجزائري بالنظر للحساسية القائمة بين البلدين (يومها كان مئات الأردنيين في الخارج يتحركون بجوازات سفر أعطيت لهم من بلدان صديقة، بعد أن قضت الأحكام العرفية بمنع تجديد جوازات سفرهم ومن بينهم كاتب هذه السطور) ... ولكم ذهلت عندما دخلت الخيمة الكبيرة التي يحتشد فيها وحولها مئات المناضلين بهتاف مدوٍ: “فلسطين عربية والصحراء مغربية”... “بن سعيد المناضل ... يا رفيق الجماهير”.
أثناء متابعة جلسات المؤتمر، همس أحد قادة المنظمة، طالع الأطلسي إن كنت أذكر الاسم على حقيقته، في أذني:هناك ترتيبات لتنظيم زيارة لبعض الضيوف للصحراء المغربية، هل تنوي الانضمام إلينا؟ ... عقدت المفاجأة لساني، وصرت بين نارين، نار الرغبة الجارفة في زيارة الصحراء والتعرف عليها من الجهة المغربية، بعد أن كنت زرت بعض مناطقها انطلاقاً من مدينة “تندوف” الجزائرية قبل ذلك الوقت بعام ... ونار الخشية من تبعات تلك الزيارة على علاقات الجبهة الشعبية المتميزة مع الجزائر، وموقف الجبهة الداعم لـ “استقلال” الصحراء عن المغرب، والذي لم ابتلعه يوماً.
خلال دقائق، غلبني “الفضول” وقررت في قرارة نفسي: لنذهب إلى العيون وسماره، وليكن ما يكون، ولقد راهنت على أن أحداً في الدولة الجارة للمغرب، لن يعرف بأمر الزيارة، وأن الأمور قد تسير من دون تبعات أو تداعيات، إلى أن جاءت اللحظة، فإذا برهط من اليساريين العرب والمغاربة يستقلون الطائرة إلى مدينة العيون الصحراوية، وإذا بالإدارة “الجهوية” تنظم استقبالاً رائعاً للزائرين “المختلفين”، وتضع لهم برنامجاً تعريفياً بالصحراء، أخذنا إلى سمارة ورحلة سفاري تناولنا خلالها “الكسكسي” المغربي مطبوخا بلحم الجمل، وتناولت “السمك” في مضارب البدو، وتلك كانت المرة الأولى التي أرى فيها “السمك” على موائد البدو، فأنا من حيث أتيت، لم أشهد أمراً كهذا من قبل.
في ختام الزيارة، وجدتني مندفعاً للحديث إلى الإذاعة والتلفزة المحلية، عرضت لوجهة نظري من الصراع “العبثي” المستنزف للموارد، وطالبت بحل لمشكلة الصحراء في إطار وحدة المغرب وسيادته، فلم نكن أيامها نعرف كثيراً أو نتداول في قضايا الحكم الذاتي واللامركزية والفيدرالية، كانت الوحدة كلمة مقدسة في قاموسنا، حتى وان كانت حاضرة الفاتيكان هي الطرف الآخر فيها، ولم يغب عن خاطري اقتراح تمكين الجزائر من ميناء على الأطلسي لتصدير فوسفات تندوف القريبة وثروات الصحراء الجزائرية الكبرى الوافرة.
وما أن عدت لمزاولة مهامي المعتادة في مجلة “الهدف” صبيحة اليوم التالي لعودتي إلى دمشق، حتى استدعاني الشهيد أبو علي مصطفى يرحمه الله إلى مقر الأمانة العامة للجبهة الشعبية في العاصمة السورية، لسؤالي عمّا فعلت و”هببت” في رحلتي إلى الصحراء، فقد كان السفير الجزائري في دمشق، اتصل مستفسراً عن “التحوّل” في مواقف الجبهة، كما كانت جبهة بوليساريو قد أرسلت وفداً سبقني إلى دمشق، لتنتهي القصة بـ “تنبيه” مقرون بالتأكيد على المواقف “الثابتة” للجبهة.
اليوم، ندخل الصحراء المغربية، بدعوة من الحكومة ومن بوابتها، لنلتقي بمئات الشخصيات من رؤساء الدول والحكومات والوزراء والباحثين ورجال الأعمال من عشرات الدول المشاركة في “منتدى كرانز مونتانا” المنعقد في مدينة الداخلة على شاطئ الأطلسي ... لم تبق “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي” على حالها بعد عمليات تفكيك وتركيب متوالية أصابتها ... والشيوعيون في المغرب اليوم، هم شركاء الإسلاميين في حكومة ابن كيران الذي ألقى صبيحة أمس الأول، كلمة العامل المغربي في افتتاح المنتدى ... والمغرب لم يعد مغلقاً على قواه السياسية والاجتماعية المختلفة، بل بات محجاً لكل الديمقراطيين العرب، من مختلف تيارات الفكر والسياسة، يأتون للحوار والتثاقف وتبادل الخبرات ... لقد تغير المغرب والمنطقة كثيراً منذ ذلك التاريخ.
لكن المؤسف أن النزاع المغربي – الجزائري ما زال محتدماً، حتى أن انعقاد هذا المنتدى قوبل برفض جزائري و”عرض عسكري” من بوليساريو، على اعتبار أنه ينعقد فوق “أراض محتلة” أو “متنازع عليها”، مع أن مبادرة المغرب لمنح الصحراء حكماً ذاتياً في إطار وحدة البلاد وسيادتها، ومن ضمن محاولة لتنقية العلاقات بين ما يقرب من ثمانين مليون عربي، هي أمر يستحق التفكير والتعامل الإيجابي المنفتح.
والحقيقة أنني لم أفهم يوماً مواقف اليسار العربي والفلسطيني من حكاية “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”، ولطالما نظرت لهذا النزاع بوصفه فصلاً من فصول “الحرب الباردة” بين الشرق والغرب، لكن المؤسف أن هذه الحرب التي انتهت كونياً، لم تنته بعد بين البلدين الشقيقين... والمؤسف أكثر أن هذا اليسار أسقط بجرة قلم، “حق الشعب الأريتيري في تقرير مصيره” ما أن صعد مانغيستو هيلا مريام إلى سدة الحكم بانقلاب في أثيوبيا ... هنا تجري فبركة حق وهناك يتم التواطؤ على الضم والإلحاق، مع أن أريتريا تمتلك كل مقومات تقرير المصير، بخلاف الوضع الملتبس لسكان الصحراء... هنا تضيع “المبادئ” وتتجلى “ازدواجية المعايير بأبشع صورها”.
الجزائر والمغرب، ركنان أساسياًن في المنظومة العربية والأفريقية على حد سواء، وللبلدين مواقف وتجارب تجعل قلب الناظر لهما “مشطوراً” بين كيانين أصيلين وشعبين شقيقين ... فإذا كنا جميعاً مدينين للجزائر بثورتها الرائدة والملهمة ضد الاستعمار الفرنسي ومواقفها المشرفة من القضية الفلسطينية، فإننا مدينون للمغرب كذلك، بريادته على طريق التحوّل الديمقراطي والملكية الدستورية وحكومات التناوب ونظامه السياسي الأكثر تقدماً وانفتاحاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من المغرب 2 – 2 من المغرب 2 – 2



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya