عن الجماعة والجمعية

عن الجماعة والجمعية

المغرب اليوم -

عن الجماعة والجمعية

عريب الرنتاوي


لم ينج حزب أو فصيل سياسي فاعل من آفة الانشقاقات، جميع الفصائل الحيوية الفاعلة خاضت التجربة بدرجات متفاوتة من “القسوة” ... حركة القوميين العرب ووريثتها الشرعية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، سجلت رقماً قياسياً على هذا المضمار، لم ينافسها عليه، سوى حزب البعث العربي الاشتراكي بمدارسه وتياراته المختلفة ... الأحزاب الشيوعية كانت عرضة للانقسام كذلك، أما الإخوان المسلمون فليسوا شذوذاً عن هذه القاعدة، فقد مرّوا بما مرت به تيارات أخرى، واليوم يبلغ سيل انقساماتهم الزبى.
الخبرة التاريخية تقول إن الانشقاقات لا تواجه جميعها المصير ذاته، بعضها يذهب للترك والنسيان، تتلاشى كأنها لم تحدث، وبعضها الآخر يمضي في منافسة التنظيم الأم ومزاحمته إلى أمد طويل، حتى أن بعضها يتفوق عليه ويثبت جدارة أكثر منه ... الانشقاق الأخير عن جماعة الإخوان، يواجه اليوم شتى هذه السيناريوهات، والأمر مرهون بالكيفية التي ستدير بها الجماعة (الجمعية) الجديدة، شؤونها.
الانشقاق بحد ذاته أمر مؤسف، وفي الحالة الإخوانية الأردنية بالذات، قد تتداعى عنه بعض الظواهر غير المرغوبة، فالجماعة الأم، جسدت في صفوفها معنى الوحدة الوطنية والمجتمعية إلى حد كبير، ومن دون مكابرة أو محاولة للتقليل من فداحة ما حدث، فإن حدود الانشقاق الأخير قد ارتسمت وفقاً لخطوط المنابت والأصول ... والانشقاق في الحالة الإخوانية، يحمل في طياته مخاطر الانزلاق إلى التشدد، طالما أن الخارجين من رحمها، محتسبون على خط الاعتدال والوسطية والإصلاح، تاركين الجماعة الأم، نهباً للتشدد، أو هكذا يجري تصوير المسألة على أقل تقدير.
مثلما قلنا لأصدقائنا في “زمزم” من قبل، نقول لأصدقائنا في “جمعية الجماعة” اليوم، إن التحدي يكمن في تجسيد معنى “التفارق بإحسان”، فالساحة السياسية والفكرية تتسع للمزيد من القوى والتيارات الجادة والجدية، والعمل السياسي والفكري والدعوي، أكبر وأوسع من أن يختصر في حزب أو جماعة أو تيار ... والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو الانصراف إلى ما ينفع الناس ويبقى في الأرض ... الأصل، أن صفحة المناكفات والاحتكاكات قد طويت، وأن صفحة جديدة ستبدأ، ونبدأ معها في قراءة وتقييم مغزى الخطوة الأخيرة ودلالاتها ومآلاتها.
قلنا لزمزم بالأمس ونقول لجمعية الجماعة اليوم، إن ثمة تحديات ثلاثة تعترض طريقها: أولها؛ انتاج خطاب إسلامي مدني – ديمقراطي، والعمل على تأصيل قيم الحرية والتعددية ومنظومة حقوق الانسان وقواعد الديمقراطية، وتجذيرها في المرجعية الإسلامية للجماعة، من دون ذلك، من سيقنعنا بأن “القوم” قد جاءوا بجديد، وأن صراعهم مع الجماعة الأم، لم يكن صراعاً على القيادة والزعامة والنفوذ.
وثانيها؛ إعادة الاعتبار لمعنى ومبنى الوحدة الوطنية في تركيبة الجماعية وبنيتها وتوجهاتها، فلسنا بحاجة لمزيد من الفرز والاستقطاب، لسنا بحاجة لمزيد من “صراع الهويات” فلدينا من هوياتنا الفرعية ما يدفعنا للقلق على “هويتنا الوطنية الجمعية”، والجماعة الأم والأبنة، مطالبة بفعل الشيء ذاته، ومدعوة لـ “ملء الفراغات” التي يعطي استمرارها انطباعاً مغايراً، ويبعث برسائل غير مريحة وغير مطمئنة.
وثالثها؛ الانفتاح على الجماعات والتيارات والمدارس السياسية والفكرية، الحزبية والمدنية، من خارج تيار الإسلام السياسي، والشروع في تجسير الفجوات وبناء التوافقات الوطنية العريضة ... مثل هذا التحدي، هو ما سيميز الجماعة الوليدة عن الجماعة الأم، التي وإن شهدت علاقاتها مع “الآخر” تطوراً ملموساً في السنوات الماضية، إلى أن هذه العلاقات ظلت محاصرة بجدار سميك من الشك وانعدام الثقة.
على الجماعة الوليدة أن تشرع ومن إبطاء في “التنظير” للعلاقة بين الوطني والأممي، الجماعة والدولة، الدين والدولة، مفهوم الدولة المدنية – الديمقراطية وموقع الشريعة فيه، منظومة حقوق الأفراد والجماعات الأخرى (الأقليات)، الموقف من قضية المرأة، الموقف من العنف، الموقف من القضية الفلسطينية، العلاقة بين الدعوي والسياسي، الموقف من تجديد الخطاب الديني أو حركة الإصلاح الديني إن جاز التعبير، إلى غير ما في القائمة من عناوين إشكالية، تقع في جوهر الخلاف بين تيارات الفكر والسياسة في العالم العربي.
إن اختطت الجماعة لنفسها طريقاً سياسياً وفكرياً يسهل تمييز معالمه عن طريق الجماعة الأم، سيكون لديها الفرصة “للبقاء والتمدد”، أما إن نهض الخلاف على عناوين فرعية، تخفي خلفها حسابات ومصالح شخصية وصراعات على الزعامة، أو إن كان الخلاف مدفوعاً بدعم وتشجيع أطراف من خارج الجماعة، فتلكم أقصر الطرق للتآكل والتلاشي .... والأمر من قبل ومن بعد، رهن بما سيفعله فريقا الانقسام في قادمات الأيام... أما نحن الحريصون على الجماعة والجمعية على حد سواء، فلا نملك سوى ترديد عبارة “دع مليون زهرة تتفتح”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الجماعة والجمعية عن الجماعة والجمعية



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya