عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران: مصر وحدها الضمانة

المغرب اليوم -

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة

طلال سلمان


يمكن التأريخ بالقمة العربية السادسة والعشرين التي انعقدت في المقر المستحدث للقاءات الفخمة، شرم الشيخ، بوصفها نقطة تحول في التاريخ العربي الحديث: فقد انتقل الاهتمام فيها وعبرها، وبما لا يقبل النقاش، من موضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي (الذي كان مبرر ولادتها في العام 1963 وفي القاهرة وبطلب منها) إلى حرب العرب على العرب وبعنوان اليمن، هذه المرة.
كان العالم كله مشغولاً عن هذه القمة التي كان «ضيف الشرف» فيها، الرئيس اليمني الذي أقيل أو استقال ثم أعيد عن استقالته كرئيس مؤقت لمرحلة انتقالية تمهد لإعادة صياغة «السلطة» في الدولة الفقيرة التي تعيش في قلب العوز والحروب القبلية التي أطالت عهد «رئيسها المخلوع» بقرار سعودي، علي عبد الله صالح، لثلث قرن أو يزيد.
أما ضيوف القمة، وتحديداً القيادة السعودية التي تظلل «مجلس التعاون الخليجي»، فقد فرضوا موضوع اليمن كبند أول، بل أوحد، على جدول أعمال القمة التي غُيّبت عنها سوريا، وحضر العراق والجزائر رمزياً، واستُحضرت ليبيا ببعض السلطة على بعض الأرض فيها، وشغل رئيس الحكومة في لبنان المكان الشاغر لرئيس الجمهورية الذي تعذر انتخابه على امتداد سنة إلا قليلاً.
ولم تكن الرئاسة المصرية، بوصفها المضيف، تستطيع أن تمنع إعطاء الأولوية لموضوع اليمن، خصوصاً أن السعودية ومعها إمارات الخليج، قد طرحوا ما أسموه «الانقلاب الحوثي» في صنعاء وكأنه مصدر خطر مصيري على الجزيرة العربية، بل على الحاضر ومعه المستقبل العربي جميعاً.
وقد أضفى اصطحاب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي غادر مقر الرئاسة في صنعاء متخفياً، ثم ظهر في عدن ليؤكد أنه الرئيس الشرعي وليدين «الانقلاب» الذي قام به «الحوثيون» فاستولوا على السلطة غصباً، وحاولوا اجتياح مختلف المحافظات وصولاً إليه في عاصمة الجنوب، عدن، والتي لجأ إليها مستنفراً عصبية الجنوبيين ضد الشماليين عموماً، والحوثيين على وجه التحديد.
كان للاستنفار بُعد آخر، مذهبي، لكن الجميع تحدثوا عنه أو أشاروا إليه بالإيماء والتلميح: فالحوثيون من «السادة»، يعودون بنسبهم الشريف إلى زيد بن علي، وهو نجل الإمام السابع، ولكنهم ليسوا من الشيعة الإثني عشرية. ولكن السياسة أهم من التاريخ، وهكذا جعل السعوديون ومن معهم الزيديين شيعة، ما يسهل عليهم اتهامهم بأنهم يوالون إيران ضد العرب السنة.
على هذا يمكن أن يطرح «اجتياح الحوثيين» صنعاء على أنه هجوم شيعي ـ إيراني ضد الأكثرية العربية السنية في اليمن وعموم الجزيرة والخليج، بقصد الاستيلاء ليس فقط على السلطة، بل أساساً على الموقع الاستراتيجي لليمن وفيها خليج عدن الذي يحكم بحر العرب، وفيها أيضاً مضيق باب المندب الذي يتحكم بالملاحة البحرية في المحيطين الهندي والأطلسي عموماً وبالبحر الأحمر خصوصاً، وبالتالي بحركة العبور من وإلى قناة السويس.
الخطر داهم، إذاً، ولا بد من استنفار لعموم السنة العرب، ومعهم باكستان ـ بعلاقاتها التاريخية الوثيقة بالسعودية والتي أنتجت قنبلة ذرية «إسلامية» قبل زمن ـ وكذلك تركيا التي تجتهد لإحداث فراغ في السلطة أو في سيطرة الدولة ثم تتقدم بدعوى ملء هذا الفراغ، كما تبدى تحركها ضد النظام في سوريا، ثم استغلالها «غزوة داعش» في شمالي العراق.
ولقد لبى معظم القادة العرب في القمة هذا النداء، وطرحت أفكار جدية لإقامة «تحالف سني» يجمع إلى السعودية مصر والأردن والمغرب، في المرحلة الأولى، لمواجهة خطر الاجتياح الإيراني، أي الشيعي صراحة. ويمكن في وقت لاحق معالجة هذا الاجتياح في بلاد الشام (سوريا والعراق).
كانت مصر مستعدة لمواجهة الاستفزاز إذا ما تقدم الحوثيون في اتجاه مضيق باب المندب، أو هددوا بالسيطرة عليه أو إغلاقه، ما يهدد مصر في أحد مواردها المالية، قناة السويس، التي طرحت القيادة فيها مشروعاً طموحاً لتعميق مجراها وتحويل مداها الصحراوي إلى منطقة حرة، صناعية ـ تجارية، يمكن أن تدر عليها المليارات، فتعمر بعض الصحراء وتحقق زيادة مؤثرة في الدخل القومي وفي حركة العمران إجمالاً.
ولقد جاء توقيت القمة متزامناً، وبقدرة قادر، مع تضخيم في الأخبار عن تقدم «الحوثيين» في اتجاه الجنوب، بعد سيطرتهم على معظم الشمال، بالتحالف أو بالتواطؤ ـ بحسب تعبير أهل الجزيرة والخليج ـ مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي ثبت أن القوى المؤثرة في الجيش اليمني ما تزال تخضع لإمرته، أو أنها ليست مخلصة الولاء لمن خلفه بعد خلعه بالتسوية السعودية الشهيرة، عبد ربه منصور هادي.
المؤامرة واضحة كل الوضوح، إذاً: إنها الحرب الإيرانية على العرب بعنوان اليمن ـ أو بتعبير أشد صراحة وحسماً ـ هي الحرب الشيعية على السنة العرب (خصوصاً إذا ما تم الربط بينها وبين تعاظم النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان، حيث يعزز الشيعة سيطرتهم، تارة بذريعة الخطر الإسرائيلي، وطوراً بمواجهة الهجمة الأميركية والنفوذ التركي، ودائماً من قلب عدائية معلنة لعرب الخليج، أي السنة العرب).
في الجانب الآخر من الصورة، كانت مسيرة المفاوضات الصعبة والممتدة لشهور طويلة بين إيران والمعسكر الغربي بالقيادة الأميركية 5 + 1، تتجاوز العقبات والألغام وتتقدم ببطء نحو الوصول إلى اتفاق.
إذاً فالحرب على الحوثيين في اليمن، هي بمثابة حرب على إيران وتمدد نفوذها في الأرض العربية، والتي وصلت إلى باب الدول المذهّبة، بعد استقرار هيمنتها على المشرق. ولا بد من إدراج هذه «الحرب» على جدول أعمال اللقاءات المتكررة بجلساتها التي لا تنتهي للمفاوضات الدولية مع إيران.
على أن تلك المفاوضات كانت تمضي قدماً في قلب الصعب، لأن الأطراف جميعاً كانت عازمة، كما دلت النتائج التي لم تتأخر عن الظهور، على الوصول إلى مشروع اتفاق شامل.
هكذا، وبعد أسبوع من الحرب على اليمن وفيها، وقف الجانبان الغربي بالقيادة الأميركية والإيراني ليعلنا الوصول إلى مسودة اتفاق شامل، ستستكمل بنوده التنفيذية لاحقاً وفي موعد لا يتجاوز المهلة التي كانت محددة لمسيرة التفاوض في قلب الصعوبة، والتي تنتهي في شهر حزيران المقبل.
الدولة الوحيدة التي أعلنت تحفظها وطالبت الولايات المتحدة بضمانات بأن إيران لن تنتج قنبلة نووية هي دولة العدو الإسرائيلي.
ومع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أعلن عن الاتفاق باعتباره «إنجازاً تاريخياً» كان «قاسياً» مع رد الفعل الإسرائيلي، إلا أنه عاد فاتصل برئيس الحكومة (قيد التأليف) في إسرائيل ليطمئنه إلى وجود مثل هذه الضمانات، مؤكداً أن إيران لن تملك القدرة على إنتاج القنابل النووية في المدى المنظور، وأن هذا الاتفاق يمنعها ولا يسهل أمامها مثل هذه المغامرة المكلفة.
أما بالنسبة لقلق دول «مجلس التعاون الخليجي»، بالقيادة السعودية، فقد طمأن الرئيس الأميركي ملك السعودية هاتفياً، ثم وجه الدعوة إلى مجموعهم لكي يذهبوا إلى لقائه في كامب ديفيد، ليطمئنهم ـ وجهاً لوجه ـ قبل موعد التوقيع النهائي على الاتفاق مع إيران في مطلع شهر حزيران المقبل.
تبقى ضرورية الإشارة إلى أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي يمكنها أن ترمي بثقلها لوقف هذه الحملة المحمومة التي تهيِّج المشاعر المذهبية، وتعيد الصراع إلى طبيعته السياسية، خصوصاً أن إيران، قد وجهت إثر الإعلان عن الاتفاق في لوزان، دعوة صريحة ومباشرة إلى جيرانها العرب عموماً، وبالذات دول الجزيرة والخليج، بضرورة استئناف الحوار لتسوية القضايا العالقة، مؤكدة أن مصالحها ـ قبل المبادئ وبعدها ـ تفرض عليها أن تحسّن علاقاتها مع محيطها العربي.
ويمكن لمقررات القمة أن تتحول إلى ضمانات عربية شاملة تتجسد ـ عملياً ـ في مخاطبة إيران والتفاهم معها على قاعدة الدفاع العربي المشترك، وليس إلى تسعير الخلافات بالشعارات المذهبية التي تقسم العرب وتفرقهم وتدفعهم إلى اقتتال عبثي، يذهب بمصالحهم ويهدد أمنهم ولا يفيد منه إلا العدو الإسرائيلي.
والكلمة لمصر التي يمكنها أن تقدم الضمانات انطلاقاً من وحدة المصير العربي ومن الحرص على علاقات الصداقة على قاعدة المصالح المشتركة مع إيران.
تنشر بالتزامن مع جريدة «الشروق» المصرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة عن القمة العربية و«الحرب» على إيران مصر وحدها الضمانة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya