سليمان تقي الدين تحية قبل أن يطير

سليمان تقي الدين: تحية قبل أن يطير..

المغرب اليوم -

سليمان تقي الدين تحية قبل أن يطير

طلال سلمان

 ولقد طوى العصفور الذي نزل من الجبل جناحيه وغادر بقايا غصن الشجرة ملقياً علينا التحية قبل أن يطير.
لم ينهِ سليمان تقي الدين خطابه الذي كان يضج به فكره وقلبه وقلمه، بل لعله كان في ذروة احتدام معركته ضد التسليم بالهزيمة، ضد الصمت بذريعة اليأس أو خيبة الأمل.
لا يأس مع الحياة. لكن الحياة أقصر من أن تكفي لهزيمة أسباب اليأس. تجربته الغنية تشهد. عليك أن تناضل، بلا هوادة، لإعادة صياغة حياتك وجعلها لائقة بكرامتك كإنسان. لا استسلام أمام الهزيمة. عليك أن تنهض، دائماً، من جديد. عليك أن تتعلم من تجربتك فتكمل مسيرتك دون أن تنحرف عن الطريق أو تنحرف بك. عليك أن تنتزع غدك الأفضل انتزاعاً من أيدي الذين يحاولون مصادرته بتزيين الانحراف أو بإيهامك أنك قد فعلت ما عليك، فاترك للأجيال القادمة أن تكمل الرسالة... بالتغيير.
هذا النظام جبار، عاتٍ، راسخ أكثر من الأرز. ثم إن مغرياته لا تحد. إنه يغرقك في عطاياه، إن دخلته، حتى الموت صمتاً، ويغرقك في اليأس إن واجهته مستكبراً لأن شراسته لا تحد. ثم، ما سلاحك؟ قلم وشيء من الأفكار؟! أتظنه هزيلاً إلى هذا الحد؟ أنظر إلى العالم من حولك.. لقد استسلم الجميع وليست أمامك الفرصة حتى من أجل أن تكون دون كيشوت! ماذا سلاحك؟ قلم وأفكار؟ لكن الأقلام كتبت ملايين الصفحات عبر الدهور. الفلاسفة، المفكرون، الدعاة، المبشّرون بالغد الأفضل، المبدعون.. كلهم كتبوا. لقد استهلكت أنت ذاتك ألف ألف كتاب، بينها العديد مما كتب أسلافك في العائلة التي كبرت بالعلم والثقافة قبل السياسة وبعدها. ثم أنك كتبت وكتبت وكتبت كثيراً. حاضرت وناقشت ونظمت «الرفاق»، وقاتلت المرتدين والهاربين من النضال إلى المناصب والمكاسب التي رفضت حتى أن تناقش عرضها عليك.
سليمان تقي الدين... إنك تقاتل بماضيك حاضراً اختطف منك ومستقبلاً صودر من قبل أن يولد. عليك أن تقر بهزيمتك، أيها المتوهم أن الأفكار أقوى من الدولار ذي الطلقات القاتلة... والمفترض أن الإنسان بصموده أمام إغراء السلطة، فكيف إذا كانت ذات أنياب؟
سليمان تقي الدين، ابن بعقلين، المتحدر من سلالة علماء وفقهاء أجلاء ومؤرخين وكتاب وشعراء، والمحامي الذي كاد يهجر المحاماة ليتفرغ للنضال بالفكر والعمل من أجل غد أفضل.. وحين خاب أمله في «التنظيم» لم يذهب إلى اليأس بذريعة العجز عن التغيير، بل حمل قلمه وجعله مشعلاً، وانطلق يحرّض مستولداً كل فجر أملاً جديداً إيماناً منه بقدرات الجيل الجديد وحقه في أن يصنع غده... شرط أن نترك له بعض الشموع تهديه إلى الطريق.
لقد خرج سليمان تقي الدين من وعلى كل الأطر التقليدية وناطح صخر الغلط فشق جبينه وما ارتدع.. ورفرف بجناحيه في آفاق الثقافة والأفكار، شرقاً وغرباً، تراثاً وتجديداً. قرأ كثيراً كثيراً، وكتب كثيراً، خطب كثيراً وحاضر كثيراً، ورعى جيلاً من الطامحين إلى كسر التقليد والتبعية، حرّض وقاتل مقاوماً الغلط بالشراسة التي قاتل بها العدو الإسرائيلي.
هذه لحظة للحزن، فقد فَقَدَ لبنان بعض إشعاعه، وفَقَدَ العمل الوطني، كما الفكر التقدمي، قلماً مضيئاً في ظلمة عصر الطوائف المقتتلة وإن اتحدت جميعاً على من يحاول الخروج من حظيرتها إلى آفاق النور وكرامة الإنسان...
.. وفقدت الثقافة مبشراً بالغد الأفضل، عنيداً في الحق كمن قُدَّ من صخر، ليناً في الحوار حتى إفحام مجادليه الذين يهربون منه خوفاً من أن يغويهم فيتغيّروا.
.. وفقدت «السفير» قلماً مضيئاً، ورفيق سلاح لم يهن ولم يضعف، لم يجبن ولم يهادن، وظل يقاوم الغلط والانحراف حتى النفس الأخير...
إن العصفور الذي نزل من الجبل قد طوى الآن جناحيه وغادر بقايا غصن الشجرة ملقياً علينا التحية قبل أن يطير.
سلاماً أيها الذي صحبنا بعض الرحلة في قلب الصعب، ثم غادرنا قبل أن يتم كلامه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سليمان تقي الدين تحية قبل أن يطير سليمان تقي الدين تحية قبل أن يطير



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya