دور الحكومة ليس بناء المساكن

دور الحكومة ليس بناء المساكن

المغرب اليوم -

دور الحكومة ليس بناء المساكن

عبد الرحمن الراشد

للناس في كل أنحاء العالم حلم يشتركون فيه، وظيفة وبيت. وحلم المواطن في السعودية الشيئان نفسهما، لهذا ضربت الحكومة على صدرها وأعلنت أنها ستمكن ملايين من مواطنيها من السكن.. وصارت قضية، لماذا وعدت وتأخرت؟.. ولماذا لم تصرف مال القروض الموعودة، حيث أنفقت أقل من ثلاثة مليارات من الستة وستين مليار دولار الموعودة؟ ومع أن أسعد الناس هم الذين لا يعرفون الحكومات ولا تعرفهم، فإن هذا الأمر صار مستحيلا، ففي الماضي كان السواد الأعظم فلاحين ورعاة يستطيعون العيش مستقلين تماما. اليوم تدير الحكومة كل تفاصيل حياتهم الصغيرة، ومن الطبيعي أن تصبح مسؤولة ومساءلة عن حاجاتهم وأحلامهم. مشروع الإسكان عمل تنموي واقتصادي واجتماعي، وبالطبع سياسي، لو وفت به الحكومة ربما يكون من أضخم المشاريع في العالم. يوجد خياران لتحقيقه، أن تمنح المواطن المال أو تعطيه المفتاح. الأفضل أن تمنحه نصف مليون ريال وتتركه يتدبر أمره، مع حرصها على ضبط أسعار مواد البناء الأساسية. والخيار السيئ أن تتولى الحكومة بنفسها البناء. قبل ثلاثين سنة كانت هناك تجربة عمرانية جديدة عندما تولى كل مواطن سعودي بناء بيته مستفيدا من الإقراض الحكومي بلا فوائد بنكية، وهكذا بنيت معظم المدن الجديدة. أما ما بنته الحكومة حينها فقد كان مشروعا فاشلا، بشهادتها، أبقت عليه مغلقا لسنين طويلة. الحال لن يتغير كثيرا اليوم مهما استعارت من تجارب صينية وآيرلندية، أو جلبت شركات عالمية وأنفقت عليها بكرم. البيت بتفاصيله اختيارات شخصية، ولا يمكن فرض ذوق مهندسي الحكومة على الناس. وحتى بعد بنائه وتسليم أفضل ما يمكن بناؤه ستواجه الأجهزة الرسمية إشكالات مؤكدة في توزيع العناوين، والأماكن، وستلام لسنوات مقبلة في كل مرة تتعطل فيها حنفية ماء أو تتسرب من شقوق السكن مياه الأمطار، وسيعلو الصراخ باتهامات الفساد وكيل الشتائم للحكومة بدل كلمة الشكر. لماذا تضع الحكومة نفسها في موقف المتهم أصلا، وهي تستطيع ترك الناس يقررون لأنفسهم ماذا يريدون ويبنون بيوتهم؟! ومن بين القرارات الإيجابية تلك التي سمحت لطلاب القروض بأن يشتروا بدعم الحكومة مساكن مبنية بدلا من شرط تملك الأرض أو بنائها، فسهلت عليهم. وبإمكانها أن تضيق على المتاجرين بقروض الحكومة فتمنع بيعها، كما تفعل حكومة أبوظبي، لأن البيت للسكن، أو أن تشترط زمنا للسكن فيه كحد أدنى. أما تولي الحكومة مهمة البناء فالأفضل لها أن تتعظ من غيرها، فلم ينجح أبدا نهج الدول الاشتراكية التي جربت أن تكون راعية حاجات الناس بحجة أنها أكثر عطفا وعدلا من أهل السوق. كانت تمد لهم الكهرباء والغاز، وتخبز لهم الخبز، وتبيعهم السيارات، وتبني لهم المساكن، وانتهت بالفشل لأنه مع توسيع خدماتها تنتشر المحسوبية والفساد وعدم الفعالية، ويتناقض ذلك مع رغبة الإنسان في أن يكون حرا في اختياراته. الأفضل أن تمكن الناس من البناء بتهيئة السوق والقوانين وتمنع الاستغلال وتضبط الأسعار. طبعا، هناك جملة أسئلة معقولة مضادة لفكرة ترك المواطن يتدبر بيته بنفسه بعد إقراضه.. فكيف يمكن حل إشكالات صعبة مثل تأمين الأراضي للبناء مع ارتفاع أسعارها؟ الحقيقة أن الأجهزة الحكومية هي السبب في ارتفاع الأسعار، حيث تمنع البناء العمودي، أي تعدد الأدوار، في المدن، وفي الوقت نفسه تسمح لملاك الأراضي البيضاء الضخمة بالنوم عليها، فلا رسوم أو ضرائب، فيضطر الناس لشراء المزيد من الأراضي والأسعار ترتفع وترتفع. وكل الأعذار بمنع الارتفاعات واهية، وكل الأعذار برفض ملاحقة تجار الأراضي أيضا واهية. الآن، أمام الدولة فرصة ذهبية لتعيد ترتيب الأوضاع بشكل شامل ومترابط. لديها سكك حديدية يمكن أن تكون هي بوصلة الحركة، وتقرب المسافات البعيدة، فتبني ضواحي جديدة على طول خطوط القطارات. لها أن تغلق كل المناطق بمحاذاة السكك الحديدية الموعودة، داخل المدن وخارجها، فتنزعها وتخصصها للمنح. وخلال سنوات بناء مشروع القطارات يتم بناء الخدمات التحتية للإسكان من مياه وكهرباء، ويتم أيضا منح القروض وتوزيع الأراضي في المناطق البعيدة. وخلال ثلاثة أعوام ستصبح مناطق مأهولة مترابطة بالمدن. لهذا على الدولة أن تترك للناس أن يتدبروا بناء مساكنهم، لا أن تلعب دور الأب ثم تتفاجأ غدا بالشكاوى والشتائم! نقلاً عن جريدة "الشرق الاوسط"  .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دور الحكومة ليس بناء المساكن دور الحكومة ليس بناء المساكن



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya